آ. ( 31 ) قوله تعالى:
ليريه كيف يواري : هذه اللام يجوز فيها وجهان، أحدهما: أنها متعلقة بـ "يبحث"؛ أي: ينبش ويثير التراب للإراءة.
[ ص: 244 ] الثاني: أنها متعلقة بـ "بعث". و "كيف" معمولة لـ "يواري"، وجملة الاستفهام معلقة للرؤية البصرية، فهي في محل المفعول الثاني سادة مسده؛ لأن "رأى" البصرية قبل تعديها بالهمزة متعدية لواحد، فاكتسبت بالهمزة آخر، وتقدم نظيرها في قوله:
أرني كيف تحي الموتى ، والسوءة هنا المراد بها: ما لا يجوز أن ينكشف من جسده، وهي الفضيحة أيضا. قال:
1716 - ... ... ... ... يا لقومي للسوءة السواء
ويجوز تخفيفها بإلقاء حركة الهمزة على الواو، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، وحينئذ فلا يجوز قلب هذه الواو ألفا، وإن صدق عليها أنها حرف علة متحرك منفتح ما قبله؛ لأن حركتها عارضة، ومثلها: "جيل، وتوم" مخففي جيئل وتوءم، يجوز أيضا قلب هذه الهمزة واوا، وإدغام ما قبلها فيها تشبيها للأصلي بالزائد، وهي لغة، يقولون في "شيء، وضوء": شي، وضو، قال:
1717 - وإن برواسية طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا [ ص: 245 ]
وبهذا الوجه قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر.
قوله:
"يا ويلتا" قلب ياء المتكلم ألفا، وهي لغة فاشية في المنادى المضاف إليها، وهي إحدى اللغات الست، وقد تقدم ذكرها، وقرئ كذلك على الأصل، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري. والنداء وإن كان أصله لمن يتأتى منه الإقبال وهم العقلاء، إلا أن العرب تتجوز فتنادي ما لا يعقل، والمعنى: يا ويلتي احضري فهذا أوان حضورك، ومثله:
يا حسرة على العباد ، و
يا حسرتا على ما فرطت . وأمال
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري ألف "حسرتا". والجمهور قرأ:
"أعجزت" بفتح الجيم، وهي اللغة الفصيحة، يقال: "عجزت" - بالفتح في الماضي - "أعجز" بكسرها في المضارع. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، والفياض، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بكسرها، وهي لغية شاذة، وإنما المشهور أن يقال: "عجزت المرأة" بالكسر؛ أي: كبرت عجيزتها. و
"أن أكون" على إسقاط الخافض؛ أي: عن أن أكون، فلما حذف جرى فيه الخلاف المشهور.
قوله:
"فأواري" قرأ الجمهور بنصب الياء، وفيها تخريجان، أصحهما: أنه عطف على "أكون" المنصوبة بـ "أن" منتظما في سلكه؛ أي: أعجزت عن كوني مشبها للغراب فمواريا. والثاني: - ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري غيره - أنه منصوب على جواب الاستفهام في قوله:
"أعجزت"، يعني: فيكون من باب
[ ص: 246 ] قوله:
فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا . وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبو القاسم رده
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء بعد أن حكاه عن قوم، قال: وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام، وليس بشيء؛ إذ ليس المعنى: أيكون مني عجز فمواراة، ألا ترى أن قولك: أين بيتك فأزورك، معناه: لو عرفت لزرت، وليس المعنى هنا: لو عجزت لواريت. قلت: وهذا الرد على ظاهره صحيح، وبسط عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبي البقاء: أن النحاة يشترطون في جواز نصب الفعل بإضمار "أن" بعد الأشياء الثمانية - غير النفي - أن ينحل الكلام إلى شرط وجزاء، فإن انعقد منه شرط وجزاء صح النصب، وإلا امتنع، ومنه: أين بيتك فأزورك؛ [ أي ]: إن عرفتني بيتك أزرك، وفي هذا المقام لو حل منه شرط وجزاء لفسد المعنى، إذ يصير التقدير: إن عجزت واريت، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه إذا عجز كيف يواري. ورد الشيخ على
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبي القاسم بما تقدم، وجعله غلطا فاحشا، وهو مسبوق إليه كما رأيت، فأساء عليه الأدب بشيء نقله عن غيره، الله أعلم بصحته.
وقرأ
الفياض بن غزوان nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف بسكون الياء، وخرجها
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري على أحد وجهين: إما القطع؛ أي: فأنا أواري، وإما على التسكين في موضع النصب تخفيفا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية: هي لغية لتوالي الحركات. قال الشيخ: ولا يصح أن تعلل القراءة بهذا ما وجد عنه
[ ص: 247 ] مندوحة، إذ التسكين في الفتحة لا يجوز إلا ضرورة، وأيضا فلم تتوال حركات.
وقوله:
"فأصبح" بمعنى: صار، قال ابن عطية: قوله: "فأصبح" عبارة عن جميع أوقاته، أقيم بعض الزمان مقام كله، وخص الصباح بذلك؛ لأنه بدء النهار والانبعاث إلى الأمور ومظنة النشاط، ومنه قول الربيع:
1718 - أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... ... ... ...
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص: "ثم أصبحت
بنو أسد تعذرني على الإسلام" إلى غير ذلك. قال الشيخ: وهذا التعليل الذي ذكره لكون "أصبح" عبارة عن جميع أوقاته، وإنما خص الصباح لكونه بدء النهار، ليس بجيد؛ لأن العرب استعملت أضحى، وبات، وأمسى، بمعنى: صار، وليس شيء منها بدء النهار، وكيف يحسن أن يرد على أبي محمد بمثل هذا ؟ وهو لم يقل إنها لما أقيمت مقام أوقاته للعلة التي ذكرها تكون بمعنى صار، حتى يلزم بأخواتها ما نقضه عليه.