صفحة جزء
آ. ( 90 ) قوله تعالى: رجس : خبر عن هذه الأشياء المتقدمة، فيقال: كيف أخبر عن جمع بمفرد ؟ فأجاب الزمخشري بأنه على حذف مضاف؛ أي: إنما شأن الخمر، وكذا وكذا، ذكر ذلك عند تعرضه للضمير في "فاجتنبوه" كما سيأتي، وكذا قدره أبو البقاء ، فقال: لأن التقدير: إنما عمل هذه الأشياء. قال الشيخ بعد حكايته كلام الزمخشري: ولا حاجة إلى [ ص: 412 ] هذا، بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنها رجس أبلغ من تقدير هذا المضاف، كقوله: إنما المشركون نجس . وهو كلام حسن، وأجاب أبو البقاء أيضا بأنه يجوز أن يكون "رجس" خبرا عن “الخمر"، وحذف خبر المعطوفات لدلالة خبر الأول عليها. قلت: وعلى هذا فيجوز أن يكون خبرا عن الآخر، وحذف خبر ما قبله لدلالة خبر ما بعده عليه؛ لأن لنا في نحو قوله تعالى: والله ورسوله أحق أن يرضوه هذين التقديرين، وقد تقدم تحقيقهما غير مرة.

و "الأنصاب" جمع نصب، وقد تقدم ذلك أول السورة. والأزلام تقدمت أيضا، والرجس: قال الراغب: هو الشيء القذر، رجل رجس، ورجال أرجاس، ثم قال: وقيل: رجس ورجز: للصوت الشديد، يقال: بعير رجاس: شديد الهدير، وغمام راجس ورجاس: شديد الرعد. وقال الزجاج: هو اسم لكل ما استقذر من عمل قبيح، يقال: رجس ورجس بكسر الجيم وفتحها، يرجس رجسا: إذا عمل عملا قبيحا، وأصله من الرجس بفتح الراء، وهو شدة صوت الرعد، قال:

1809 - وكل رجاس يسوق الرجسا [ ص: 413 ]

وفرق ابن دريد بين الرجس، والرجز، والركس، فجعل الرجس: الشر، والرجز: العذاب، والركس: العذرة والنتن، ثم قال: والرجس يقال للاثنين، فتحصل من هذا أنه اسم للشيء القذر المنتن، أو أنه في الأصل مصدر.

وقوله: من عمل الشيطان في محل رفع؛ لأنه صفة لـ "رجس". والهاء في "فاجتنبوه" تعود على الرجس؛ أي: فاجتنبوا الرجس الذي أخبر به عما تقدم من الخمر وما بعدها. وقال أبو البقاء : إنها تعود على الفعل، يعني: الذي قدره مضافا إلى الخمر وما بعدها، وإلى ذلك نحا الزمخشري أيضا، قال: فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: "فاجتنبوه" ؟ قلت: إلى المضاف المحذوف، أو تعاطيهما، أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: رجس من عمل الشيطان ، وقد تقدم أن الأحسن أن هذه الأشياء جعلت نفس الرجس مبالغة.

التالي السابق


الخدمات العلمية