آ. ( 94 ) قوله تعالى:
ليبلونكم : جواب قسم محذوف؛ أي: والله ليبلونكم، وقد تقدم أنه تجب اللام وإحدى النونين في مثل هذا الجواب. قوله:
"بشيء" متعلق بـ "ليبلونكم"؛ أي: ليختبرنكم بشيء. وقوله:
"من الصيد": في محل جر صفة لـ "شيء" فيتعلق بمحذوف، و "من" الظاهر أنها تبعيضية؛ لأنه لم يحرم صيد الحلال، ولا صيد الحل، ولا صيد البحر. وقل: إنها لبيان الجنس. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي : وقيل "من" لبيان الجنس، فلما قال: "بشيء" لم يعلم من أي جنس هو، فبين فقال:
"من الصيد"، كما تقول: لأعطينك شيئا من الذهب، وبهذا الوجه بدأ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء ثم قال: وقيل: إنها للتبعيض. وكونها للبيان فيه نظر؛ لأن الصحيح أنها لا تكون للبيان، والقائل بأنها للبيان يشترط أن يكون المبين بها معرفا بأل الجنسية، كقوله:
فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أيضا،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج هو الأصل في ذلك، فإنه قال: وهذا كما تقول: متحننك بشيء من الرزق، وكما قال تعالى:
فاجتنبوا الرجس من الأوثان .
قوله:
"تناله" في محل جر؛ لأنه صفة ثانية لـ "شيء"، وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء [ ص: 416 ] أن يكون حالا: إما من الصيد، وإما من "شيء"، وإن كان نكرة؛ لأنه قد وصف فتخصص، واستبعد الشيخ جعله حالا من الصيد، ووجه الاستبعاد أنه ليس المقصود بالحديث عنه. وقرأ الجمهور: "تناله" بالمنقوطة فوق لتأنيث الجمع،
nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي بالمنقوطة من تحت؛ لأن تأنيثه غير حقيقي. وقوله:
ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا : للناس فيه قولان، أحدهما: أن هذا من باب التوكيد، ولا يضر حرف العطف في ذلك، وهذا كقوله تعالى:
كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ، حتى إن الشيخ
جمال الدين بن مالك يجعل هذا من التوكيد اللفظي المبوب له في النحو. والثاني: أنه ليس للتأكيد بل للتأسيس، إلا أنه جعل التغاير حاصلا بتقدير المتعلقات، فمنها أن التقدير: اتقوا الشرك وآمنوا إيمانا كاملا، ثم اتقوا وآمنوا؛ أي: ثم ثبتوا على التقوى والإيمان المتقدمين، واستمروا على هذه الحالة، ثم اتقوا، ثم تناهوا في التقوى وتوغلوا فيها، وأحسنوا للناس وواسوهم بأموالهم، وإليه نحا
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبو القاسم الزمخشري بعبارة قريبة من هذا المعنى.
قوله تعالى:
"ليعلم الله" اللام متعلقة بـ
"ليبلونكم"، والمعنى: ليتميز أو ليظهر لكم، وقد مضى تحقيقه في البقرة، وأن هذه تسمى لام كي، وقرأ بعضهم: "ليعلم" بضم الياء وكسر اللام من أعلم، والمفعول الأول على هذه القراءة محذوف؛ أي: ليعلم الله عباده، والمفعول الثاني هو قوله:
"من يخافه"، فـ "أعلم" منقولة بهمزة التعدية من "علم" المتعدية لواحد، بمعنى
[ ص: 417 ] عرف. قوله:
"بالغيب" في محل نصب على الحال من فاعل "يخافه"؛ أي: يخافه ملتبسا بالغيب، وقد تقدم معناه في البقرة. وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء فيه ثلاثة أوجه، أحدها: ما ذكرته، والثاني: أنه حال من "من" في "من يخافه"، والثالث: أن الباء بمعنى "في"، والغيب مصدر واقع موقع غائب؛ أي: يخافه في المكان الغائب عن الخلق، فعلى هذا يكون متعلقا بنفس الفعل قبله، وعلى الأولين يكون متعلقا بمحذوف على ما عرف.