صفحة جزء
آ. ( 26 ) قوله تعالى: وهم ينهون عنه في الضميرين - أعني: هم وهاء "عنه" - أوجه، أحدها: أن المرفوع يعود على الكفار، والمجرور يعود على القرآن، وهو أيضا الذي عاد عليه الضمير المنصوب من "يفقهوه"، والمشار إليه بقولهم: "إن هذا". والثاني: أن "هم" يعود على من تقدم ذكرهم من الكفار، وفي "عنه" يعود على الرسول، وعلى هذا ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، فإن قوله: "جاءوك يجادلونك" خطاب للرسول، فخرج [ ص: 581 ] من هذا الخطاب إلى الغيبة. وقيل: يعود على المرفوع على أبي طالب وأتباعه.

وفي قوله: "ينهون" و "وينأون" تجنيس التصريف، وهو عبارة عن انفراد كل كلمة عن الأخرى بحرف، فينهون انفردت بالهاء، وينأون بالهمزة، ومثله قوله تعالى: وهم يحسبون أنهم يحسنون ، بما كنتم تفرحون .. وبما كنتم تمرحون ، وقوله عليه السلام: " الخيل معقود في نواصيها الخير "، وبعضهم يسميه: "تجنيس التحريف"، وهو الفرق بين كلمتين بحرف، وأنشدوا:


1884 - إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوما من نهاب نفوس



وذكر غيره أن تجنيس التحريف هو أن يكون الشكل فرقا بين كلمتين، وجعل منه: "اللهى تفتح اللهى"، وقد تقدم تحقيق ذلك. وقرأ الحسن البصري: "وينون" بإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها، وهو تخفيف قياسي. والنأي: البعد، قال:


1885 - إذا غير النأي المحبين لم يزل     رسيس الهوى من حب مية يبرح



وقال آخر:


1886 - ألا حبذا هند وأرض بها هند     وهند أتى من دونها النأي والبعد [ ص: 582 ]



عطف الشيء على نفسه للمغايرة اللفظية، يقال: نأى زيد ينأى نأيا، ويتعدى بالهمزة فيقال: أنأيته، ولا يعدى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزة. ونقل الواحدي أنه يقال: نأيته بمعنى: نأيت عنه، أنشد المبرد:


1887 - أعاذل إن يصبح صداي بقفرة     بعيدا نآني صاحبي وقريبي



أي: نأى عني. وحكى الليث: "نأيت الشيء"؛ أي: أبعدته، وأنشد:


1888 - إذا ما التقينا سال من عبراتنا     شابيب ينآى سيلها بالأصابع



فبناه للمفعول؛ أي: ينحى ويبعد. والحاصل أن هذه المادة تدل على البعد، ومنه: أتنأى؛ أي: أفتعل النأي. والمنأى: الموضع البعيد، قال النابغة:


1889 - فإنك كالموت الذي هو مدركي     وإن خلت أن المنتأى عنك واسع



وتناءى: تباعد، ومنه النؤي للحفيرة التي حول الخباء لتبعد عنه الماء. وقرئ: "وناء بجانبه" وهو مقلوب من نأى، ويدل على ذلك أن الأصل هو المصدر، وهو النأي بتقديم الهمزة على حرف العلة.

قوله: "وإن يهلكون": "إن" نافية كالتي في قوله: "إن هذا"، و "أنفسهم" مفعول، وهو استثناء مفرغ، ومفعول "يشعرون" محذوف: إما اقتصارا وإما اختصارا؛ أي: وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية