صفحة جزء
آ. ( 28 ) قوله تعالى: بل بدا : "بل" هنا لانتقال من قصة إلى أخرى، وليست للإبطال، وعبارة بعضهم توهم أن فيها إبطالا لكلام الكفرة، فإنه قال: "بل" رد لما تمنوه؛ أي: ليس الأمر على ما قالوه؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان، بل قالوه إشفاقا من العذاب وطمعا في الرحمة. قال الشيخ: "ولا أدري ما هذا الكلام ؟". قلت: ولا أدري ما وجه عدم الدراية منه ؟ وهو كلام صحيح في نفسه، فإنهم لما قالوا: يا ليتنا، كأنهم قالوا: تمنينا، ولكن هذا التمني ليس بصحيح؛ لأنهم إنما قالوه تقية، فقد يتمنى الإنسان شيئا بلسانه وقلبه فارغ منه. وقال الزجاج: "بل" هنا استدراك وإيجاب نفي، كقولهم: ما قام زيد بل قام عمرو". قال الشيخ: "ولا أدري ما النفي الذي سبق حتى توجبه "بل" ؟ قلت: الظاهر أن النفي الذي أراده الزجاج هو الذي في قوله: ولا نكذب بآيات ربنا ، إذا جعلناه مستأنفا على تقدير: ونحن لا نكذب، والمعنى: بل إنهم مكذبون.

وفاعل "بدا" قوله: "ما كانوا"، و "ما" يجوز أن تكون موصولة اسمية وهو الظاهر؛ أي: ظهر لهم الذي كانوا يخفونه، والعائد محذوف. ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: ظهر لهم إخفاؤهم؛ أي: عاقبته، أو أطلق المصدر على اسم المفعول، وهو بعيد، والظاهر أن الضميرين، أعني: المجرور والمرفوع في قوله: بدا لهم ما كانوا يخفون عائدان على شيء واحد، وهم الكفار أو اليهود والنصارى خاصة. وقيل: المجرور للأتباع والمرفوع للرؤساء؛ أي: بل بدا للأتباع ما كان الوجهاء المتبعون يخفونه.

قوله: "ولو ردوا" قرأ الجمهور بضم الراء خالصا. وقرأ الأعمش، [ ص: 592 ] ويحيى بن وثاب، وإبراهيم: "ردوا" بكسرها خالصا. وقد عرفت أن الفعل الثلاثي المضاعف العين واللام يجوز في فائه إذا بني للمفعول ثلاثة الأوجه المذكورة في فاء الثلاثي المعتل العين إذا بني للمفعول، نحو: قيل وبيع، وقد تقدم ذلك. وقال الشاعر:


1897 - وما حل من جهل حبا حلمائنا ولا قائل المعروف فينا يعنف



بكسر الحاء.

قوله: "وإنهم لكاذبون" تقدم الكلام على هذه الجملة: هل هي مستأنفة أو راجعة إلى قوله: "يا ليتنا" ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية