صفحة جزء
آ. (92) قوله تعالى: الذين كذبوا شعيبا : فيه خمسة أوجه، أحدها: أن هذا الموصول في محل رفع بالابتداء وخبره الجملة التشبيهية بعده. قال الزمخشري: وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل: [ ص: 386 ] الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم، لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله تعالى. قلت: "قوله يفيد الاختصاص" هو معنى قول الأصوليين: "يفيد الحصر" على خلاف بينهم في ذلك، إذا قلت: "زيد العالم"، والخلاف في قولك "العالم زيد" أشهر منه فيما تقدم فيه المبتدأ.

الثاني: أن الخبر هو نفس الموصول الثاني وخبره، فإن الموصول الثاني مبتدأ، والجملة من قوله كانوا هم الخاسرين في محل رفع خبرا له، وهو وخبره خبر الأول، و كأن لم يغنوا : إما اعتراض وإما حال من فاعل "كذبوا". الثالث: أن يكون الموصول الثاني خبرا بعد خبر عن الموصول الأول، والخبر الأول الجملة التشبيهية كما تقدم. الرابع: أن يكون الموصول بدلا من قوله قبل: الذين كفروا من قومه كأنه قال: "وقال الملأ الذين كفروا منهم الذين كذبوا شعيبا" وقوله: لئن اتبعتم شعيبا معمول للقول فليس بأجنبي. الخامس: أنه صفة له أي: للذين كفروا من قومه. هذه عبارة أبي البقاء، وتابعه الشيخ عليها. والأحسن أن يقال: بدل من الملأ أو نعت له، لأنه هو المحدث عنه والموصول صفة له، والجملة التشبيهية على هذين الوجهين حال من فاعل "كذبوا" .

وأما الموصول الثاني، فقد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا باعتبارين: أعني كونه أول أو ثانيا، ويجوز أن يكون بدلا من فاعل "يغنوا" أو منصوبا بإضمار "أعني" أو مبتدأ وما بعده الخبر. وهذا هو الظاهر لتكون كل جملة مستقلة [ ص: 387 ] بنفسها. وعلى هذا الوجه ذكر الزمخشري أيضا أن الابتداء يفيد الاختصاص قال: أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه، وقد تقدم موضحا.

وقوله: كأن لم يغنوا يغنون: بمعنى يقيمون يقال: غني بالمكان يغنى فيه أي: أقام دهرا طويلا، وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد فهو أخص من مطلق الإقامة. قال الأسود بن يعفر:


2249 - ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد



وقيل: معنى الآية هنا من الغنى الذي هو ضد الفقر، قاله الزجاج فقال: "وغني في مكان كذا: إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره".

التالي السابق


الخدمات العلمية