[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم . 
الحمد لله الذي شرفنا على الأمم بالقرآن المجيد ، ودعانا بتوفيقه على الحكم إلى الأمر الرشيد ، وقوم به نفوسنا بين الوعد والوعيد ، وحفظه من تغيير الجهول ، وتحريف العنيد ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . 
أحمده على التوفيق للتحميد ، وأشكره على التحقيق في التوحيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة يبقى ذخرها على التأييد ، وأن 
محمدا  عبده ورسوله أرسله إلى القريب والبعيد ، بشيرا للخلائق ونذيرا ، وسراجا في الأكوان منيرا ، ووهب له من فضله خيرا كثيرا ، وجعله مقدما على الكل كبيرا ، ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا ، ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا ، وأنزل عليه كلاما قرر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا فقال: 
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا  [الإسراء: 88 ] فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه ، وسلم تسليما كثيرا . 
لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم ، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم; لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، وإني نظرت في جملة من كتب التفسير فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه ، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه ، والمتوسط منها قليل الفوائد ، عديم الترتيب ، وربما أهمل فيه المشكل ، وشرح غير الغريب ، فأتيتك بهذا المختصر اليسير ، منطويا على العلم الغزير ، ووسمته بـ:  
[ ص: 4 ]  " زاد المسير في علم التفسير" . 
وقد بالغت في اختصار لفظه ، فاجتهد وفقك الله في حفظه ، والله المعين على تحقيقه ، فما زال جائدا بتوفيقه . 
فصل في فضيلة علم التفسير 
روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن السلمي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  قال: 
كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر ، فلا نجاوزها إلى العشر الآخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل . 
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن  أنه قال: ما أنزل الله آية إلا أحب أن أعلم فيم أنزلت ، وماذا عنى بها . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية:  مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم ، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا ، وليس عندهم مصباح ، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه ، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه . 
فصل 
اختلف العلماء: هل 
التفسير والتأويل بمعنى ، أم يختلفان؟ فذهب قوم يميلون إلى العربية إلى أنهما بمعنى ، وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين . 
وذهب قوم يميلون إلى الفقه إلى اختلافهما ، فقالوا: التفسير: إخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التجلي . 
والتأويل: نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباته إلى دليل [لولاه ] ما ترك ظاهر اللفظ ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء إلى كذا ، أي: صار إليه .  
[ ص: 5 ] فصل في 
مدة نزول القرآن 
روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت [العزة ، ثم ] أنزل بعد ذلك في عشرين سنة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي:  فرق الله تنزيل القرآن ، فكان بين أوله وآخره عشرون سنة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن:  ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة ، أنزل عليه 
بمكة  ثماني سنين . 
فصل 
واختلفوا في 
أول ما نزل من القرآن ، فأثبت المنقول: أن أول ما نزل: 
اقرأ باسم ربك  [ العلق: 1 ] . 
رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  وبه قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة   nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح .  
وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله:  أن أول ما نزل 
يا أيها المدثر  [ المدثر: 1 ] والصحيح أنه لما نزل عليه: 
اقرأ باسم ربك رجع فتدثر فنزل: 
يا أيها المدثر يدل عليه ما أخرج [في ] "الصحيحين" من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر  قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه: 
 "فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء  جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه رعبا ، فرجعت فقلت: زملوني ، زملوني ، فدثروني ، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر ومعنى جثثت: فرقت . 
يقال: رجل مجؤوث [ومجثوث ] وقد صحفه بعض الرواة فقال: جبنت من الجبن ، والصحيح الأول . 
وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن   nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة:  أن أول ما نزل: 
بسم الله الرحمن الرحيم  [ ص: 6 ] فصل 
واختلفوا في آخر ما نزل ، فروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  في أفراده من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،  قال: 
آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، آية الربا ، وفي أفراد 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم  عنه: آخر سورة نزلت جميعا 
إذا جاء نصر الله والفتح  [ النصر: 1 ] . 
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال: آخر آية أنزلت 
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله  [ البقرة: 281 ] وهذا مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  وأبي صالح .  
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=48البراء  قال: 
آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة  [ النساء: 176 ] وآخر سورة نزلت (براءة) وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب:  أن آخر آية نزلت: 
لقد جاءكم رسول من أنفسكم  [ التوبة: 138 ] إلى آخر السورة . 
فصل 
لما رأيت جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود كشفه حتى ينظر للآية الواحدة في كتب ، فرب تفسير أخل فيه بعلم الناسخ والمنسوخ ، أو ببعضه ، فإن وجد فيه لم يوجد أسباب النزول ، أو أكثرها ، فإن وجد لم يوجد بيان المكي من المدني ، وإن وجد ذلك لم توجد الإشارة إلى حكم الآية ، فإن وجد لم يوجد جواب إشكال يقع في الآية ، إلى غير ذلك من الفنون المطلوبة . 
وقد أدرجت في هذا الكتاب من هذه الفنون المذكورة مع ما لم أذكره مما  
[ ص: 7 ] لا يستغني التفسير عنه ما أرجو به وقوع الغناء بهذا الكتاب عن أكثر ما يجانسه . 
وقد حذرت من إعادة تفسير كلمة متقدمة إلا على وجه الإشارة ، ولم أغادر من الأقوال التي أحطت بها إلا ما تبعد صحته مع الاختصار البالغ ، فإذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره ، فهو لا يخلو من أمرين ، إما أن يكون قد سبق ، وإما أن يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير . 
وقد انتقى كتابنا هذا أنقى التفاسير ، فأخذ منها الأصح والأحسن والأصون ، فنظمه في عبارة الاختصار . 
وهذا حين شروعنا فيما ابتدأنا له ، والله الموفق .