صفحة جزء
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين

قوله تعالى: فسيحوا في الأرض أي: انطلقوا فيها آمنين ، لا يقع بكم منا مكروه .

إن قال قائل: هذه مخاطبة شاهد ، والآية الأولى إخبار عن غائب ، فعنه جوابان .

أحدهما: أنه جائز عند العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب . قال عنترة:


شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم



هذا قول أبي عبيدة

والثاني: أن في الكلام إضمارا ، تقديره: فقل لهم: سيحوا في الأرض ، أي: اذهبوا فيها ، وأقبلوا ، وأدبروا ، وهذا قول الزجاج .

واختلفوا فيمن جعلت له هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال .

[ ص: 394 ] أحدها: أنها أمان لأصحاب العهد ، فمن كان عهده أكثر منها حط إليها ، ومن كان عهده أقل منها رفع إليها ، ومن لم يكن له عهد فأجله انسلاخ المحرم خمسون ليلة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك .

والثاني: أنها للمشركين كافة ، من له عهد ، ومن ليس له عهد ، قاله مجاهد ، والزهري ، والقرظي .

والثالث: أنها أجل لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنه أقل من أربعة أشهر ، أو كان أمانه غير محدود; فأما من لا أمان له ، فهو حرب ، قاله ابن إسحاق:

والرابع: أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهد; فأما أرباب العهود ، فهم على عهودهم إلى حين انقضاء مددهم ، قاله ابن السائب . ويؤكده ما روي أن عليا نادى يومئذ: ومن كان بينه وبين رسول الله عهد ، فعهده إلى مدته . وفي بعض الألفاظ: فأجله أربعة أشهر . واختلفوا في مدة هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقوال .

أحدها: أنها الأشهر الحرم: رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن أولها يوم الحج الأكبر ، وهو يوم النحر ، وآخرها العاشر من ربيع الآخر ، قاله مجاهد ، والسدي ، والقرظي .

والثالث: أنها شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، لأن هذه الآية نزلت في شوال ، قاله الزهري . قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا أضعف الأقوال ، لأنه لو كان كذلك ، لم يجز تأخير إعلامهم به إلى ذي الحجة إذ كان لا يلزمهم الأمر إلا بعد الإعلام .

والرابع: أن أولها العاشر من ذي القعدة ، وآخرها العاشر من ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم ، ثم صار في السنة الثانية في العشر [ ص: 395 ] من ذي الحجة ، وفيها حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الزمان قد استدار" ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: واعلموا أنكم غير معجزي الله أي: وإن أجلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا الله .

قوله تعالى: وأن الله مخزي الكافرين قال الزجاج : الأجود فتح "أن" على معنى: اعلموا أن ، ويجوز كسرها على الاستئناف . وهذا ضمان من الله نصرة المؤمنين على الكافرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية