[ ص: 143 ] فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد
قوله تعالى : "
فلما جاء أمرنا " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أمر الله الملائكة بعذابهم . والثاني : أن الأمر بمعنى العذاب . والثالث : أنه بمعنى القضاء بعذابهم .
قوله تعالى : "
جعلنا عاليها سافلها " الكناية تعود إلى المؤتفكات ، وهي قرى قوم
لوط ، وقد ذكرناها في (براءة :70) ، ونحن نشير إلى قصة هلاكهم هاهنا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أمر
جبريل لوطا بالخروج ، وقال : اخرج وأخرج غنمك وبقرك ، فقال : كيف لي بذلك وقد أغلقت أبواب المدينة ، فبسط جناحه ، وحمله وبنتيه ومالهم شيء ، فأخرجهم من المدينة ، وسأل
جبريل ربه : فقال : يا رب ولني هلاك هؤلاء القوم ، فأوحى الله إليه أن تول هلاكهم ; فلما أن بدا الصبح ، غدا عليهم
جبريل فاحتملها على جناحه ، ثم صعد بها حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب ، ثم كفأها عليهم ، وسمعوا وجبة شديدة ، فالتفتت امرأة
لوط ، فرماها
جبريل بحجر فقتلها ، ثم صعد حتى أشرف على الأرض ، فجعل يتبعهم مسافرهم ورعاتهم ومن تحول عن القرية ، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : اقتلع
جبريل الأرض من سبع أرضين ، فاحتملها حتى بلغ بها إلى أهل السماء الدنيا ، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم قلبها . وقال غيره : كانت خمس قرى ، أعظمها
سدوم ، وكان القوم أربعة آلاف ألف . وقيل : كان في كل قرية مائة ألف مقاتل ، فلما رفعها إلى السماء ، لم ينكسر لهم إناء ولم
[ ص: 144 ] يسقط حتى قلبها عليهم . وقيل : نجا من الخمس واحدة لم تكن تعمل مثل عملهم . وانفرد
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، فقال : إن
جبريل وميكائيل توليا قلبها .
قوله تعالى : "
وأمطرنا عليها " في هاء الكناية قولان :
أحدهما : أنها ترجع إلى القرى . والثاني إلى الأمة .
وفي السجل سبعة أقوال :
أحدها : أنها بالفارسية سنك وكل ، السنك : الحجر ، والكل : الطين ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : أولها حجر ، وآخرها طين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : يعني الآجر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : من ذهب إلى هذا القول ، اعتبره بقوله :
حجارة من طين [الذاريات :33] يعني الآجر . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء .
والثاني : أنه بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض ، ومنه نزلت الحجارة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة .
والثالث : أن السجيل : اسم السماء الدنيا ، فالمعنى : حجارة من السماء الدنيا ، قاله
ابن زيد .
والرابع : أنه الشديد من الحجارة الصلب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة ، وأنشد
لابن مقبل :
[ورجلة يضربون البيض عن عرض] ضربا تواصت به الأبطال سجينا
[ ص: 145 ] ورد هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ، فقال : هذا بالنون ، وذاك باللام ، وإنما هو في هذا البيت فعيل من سجنت ، أي : حبست ، كأنه يثبت صاحبه .
والخامس : أن قوله : " من سجيل " كقولك : من سجل ، أي : مما كتب لهم أن يعذبوا به ، وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
والسادس : أنه من أسجلته ، أي : أرسلته ، فكأنها مرسلة عليهم .
والسابع : أنه من أسجلت : إذا أعطيت ، حكى القولين
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
وفي قوله : "
منضود " ثلاثة أقوال :
أحدها : يتبع بعضه بعضا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني : مصفوف ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . والثالث : نضد بعضه على بعض ، لأنه طين جمع فجعل حجارة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس .
قوله تعالى : "
مسومة " قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أي :معلمة ، أخذ من السومة ، وهي العلامة .
وفي علامتها ستة أقوال :
أحدها : بياض في حمرة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .
والثاني : أنها كانت مختومة ، فالحجر أبيض وفيه نقطة سوداء ، أو أسود وفيه نقطة بيضاء ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثالث : أنها المخططة بالسواد والحمرة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والرابع : عليها نضح من حمرة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة .
[ ص: 146 ] والخامس : أنها كانت معلمة بعلامة يعرف بها أنها ليست من حجارة الدنيا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
والسادس : أنه كان على كل حجر منها اسم صاحبه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع . وحكي عن بعض من رأى تلك الحجارة أنه قال : كانت مثل رأس الإبل ، ومثل مبارك الإبل ، ومثل قبضة الرجل .
وفي قوله تعالى : "
عند ربك " أربعة أقوال :
أحدها : أن المعنى : جاءت من عند ربك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل .
والثاني : عند ربك معدة ، قاله
أبو بكر الهزلي .
والثالث : أن المعنى : هذا التسويم لزم هذه الحجارة عند الله إيذانا بنفاذ قدرته وشدة عذابه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري .
والرابع : أن معنى قوله : "
عند ربك " : في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه .
قوله تعالى : "
وما هي من الظالمين ببعيد " في المراد بالظالمين هاهنا ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المراد بالظالمين هاهنا : كفار
قريش ، خوفهم الله بها ، قاله الأكثرون .
والثاني : أنه عام في كل ظالم ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : والله ما أجار الله منها ظالما بعد قوم
لوط ، فاتقوا الله وكونوا منه على حذر .
والثالث : أنهم قوم
لوط ، فالمعنى : وما هي من الظالمين ، أي : من قوم
لوط ببعيد ، والمعنى : لم تكن لتخطئهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .