صفحة جزء
قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون

قوله تعالى : " قالوا سنراود عنه أباه " أي : نطلبه منه ، والمراودة : الاجتهاد في الطلب .

وفي قوله : " وإنا لفاعلون " ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : وإنا لجاؤوك به ، وضامنون لك المجيء به ، هذا مذهب الكلبي .

والثاني : أنه توكيد ، قاله الزجاج ، فعلى هذا ، يكون الفعل الذي ضمنوه عائدا إلى المراودة ، فيصح معنى التوكيد .

والثالث : وإنا لمديمون المطالبة به لأبينا ، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه ، وهذا غير المراودة ، ذكره ابن الأنباري .

فإن قيل : كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه ، وهو يعلم مافي ذلك من إدخال الحزن على أبيه ؟ فعنه خمسة أجوبة :

أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه ، وهذا الأظهر .

[ ص: 249 ] والثاني : أنه طلبه لا ليحبسه ، فلما عرفه قال : لا أفارقك يا يوسف ، قال : لا يمكنني حبسك إلا أن أنسبك إلى أمر فظيع ، قال : افعل ما بدا لك ، قاله كعب .

والثالث : أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف .

والرابع : ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه .

والخامس : ليعجل سرور أخيه باجتماعه به قبل إخوته . وكل هذه الأجوبة مدخولة ، إلا الأول ، فإنه الصحيح . ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه ، قال : لما جمع الله بين يوسف ويعقوب ، قال له : يعقوب بيني وبينك هذه المسافة القريبة ، ولم تكتب إلى تعرفني ؟! فقال : إن جبريل أمرني أن لا أعرفك ، فقال له : سل جبريل ، فسأله ، فقال : إن الله أمرني بذلك ، فقال : سل ربك ، فسأله ، فقال : قل ليعقوب خفت عليه الذئب ، ولم تؤمني ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية