صفحة جزء
ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون

قوله تعالى : " ولما فصلت العير " أي : خرجت من مصر متوجهة إلى كنعان . وكان الذي حمل القميص يهوذا . قال السدي : قال يهوذا ليوسف : أنا الذي حملت القميص إلى يعقوب بدم كذب فأحزنته ، وأنا الآن أحمل قميصك لأسره ، فحمله ، قال ابن عباس : فخرج حافيا حاسرا يعدو ، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها .

[ ص: 284 ] قوله تعالى : " قال أبوهم " يعني يعقوب لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده " إني لأجد ريح يوسف " . ومعنى أجد : أشم ، قال الشاعر :


وليس صرير النعش ما تسمعونه ولكنها أصلاب قوم تقصف     وليس فتيق المسك ما تجدونه
ولكنه ذاك الثناء المخلف



فإن قيل : كيف وجد يعقوب ريحه وهو بمصر ؟ ولم يجد ريحه من الجب وبعد خروجه منه ، والمسافة هناك أقرب ؟

فعنه جوابان : أحدهما : أن الله تعالى أخفى أمر يوسف على يعقوب في بداية الأمر لتقع البلية التي يتكامل بها الأجر ، وأوجده ريحه من المكان النازح عند تقضي البلاء ومجيء الفرج .

والثاني : أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه ، فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب ، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص . قال مجاهد : هبت ريح فضربت القميص ، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة ، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص ، فمن ثم قال : " إني لأجد ريح يوسف " . وقيل : إن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها ، فلذلك يستروح كل محزون إلى ريح الصبا ، ويجد المكروبون لها روحا ، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق ، قال أبو صخر الهذلي :


إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني     نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر



قال ابن عباس : وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخا .

[ ص: 285 ] قوله تعالى : " لولا أن تفندون " فيه خمسة أقوال :

أحدها : تجهلون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : تسفهون ، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وقتادة ، ومجاهد في رواية . وقال في رواية أخرى : لولا أن تقولوا : ذهب عقلك

والثالث : تكذبون ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك .

والرابع : تهرمون ، قاله الحسن ، ومجاهد في رواية . قال ابن فارس : الفند : إنكار العقل من هرم .

والخامس : تعجزون ، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة : تسفهون وتعجزون وتلومون ، وأنشد :


يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي     فليس ما فات من أمر بمردود



قال ابن جرير : وأصل التفنيد : الإفساد ، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها ، وسمعت الشيخ أبا محمد ابن الخشاب يقول : قوله : " لولا أن تفندون " فيه إضمار ، تقديره : لأخبرتكم أنه حي .

التالي السابق


الخدمات العلمية