صفحة جزء
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب

قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : " ويثبت " ساكنة الثاء خفيفة الباء . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " ويثبت " مشددة الباء مفتوحة الثاء . قال أبو علي : المعنى : ويثبته ، فاستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني .

واختلف المفسرون في المراد بالذي يمحو ويثبت على ثمانية أقوال :

أحدها : أنه عام في الرزق ، والأجل ، والسعادة ، والشقاوة ، وهذا مذهب عمر ، وابن مسعود ، وأبي وائل ، والضحاك ، وابن جريج .

والثاني : أنه الناسخ والمنسوخ ، فيمحو المنسوخ ، ويثبت الناسخ ، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، والقرظي ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : " يمحو الله ما يشاء " أي : ينسخ من القرآن ما يشاء " ويثبت " أي : يدعه ثابتا لا ينسخه ، وهو المحكم .

والثالث : أنه يمحو ما يشاء ، ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة ، والحياة والموت ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ودليل هذا القول ما روى مسلم في " صحيحه " من حديث حذيفة بن أسيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة ، يقول الملك الموكل : أذكر أم أنثى ؟ فيقضي [ ص: 338 ] الله تعالى ، ويكتب الملك ، فيقول : أشقى أم سعيد ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ، فيقول : عمله وأجله ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ،ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها " .

والرابع : يمحو ما يشاء ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة لا يغيران ، قاله مجاهد .

والخامس : يمحو من جاء أجله ، ويثبت من لم يجئ أجله ، قاله الحسن .

والسادس : يمحو من ذنوب عباده ما يشاء فيغفرها ، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها ، روي عن سعيد بن جبير .

والسابع : يمحو ما يشاء بالتوبة ، ويثبت مكانها حسنات ، قاله عكرمة .

والثامن : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، قاله الضحاك ، وأبو صالح . وقال ابن السائب : القول كله يكتب ، حتى إذا كان في يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوه ، وهو صادق ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب .

قوله تعالى : " وعنده أم الكتاب " قال الزجاج : أصل الكتاب . قال المفسرون : [ ص: 339 ] وهو اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه ما يكون ويحدث . وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هما كتابان ، كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب لا يغير منه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية