صفحة جزء
وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا .

قوله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات " سبب نزولها فيه قولان:

أحدهما: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم، قال: " لا، بل أستأني بهم " ، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني: قد ذكرناه عن الزبير في قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال [ الرعد: 31 ]، ومعنى الآية: وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين، يعني: أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولون العذاب، فلم يرسلها لئلا يكذب بها هؤلاء، فيهلكوا كما هلك أولئك، وسنة الله في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذبوا بها عذبهم .

قوله تعالى: " وآتينا ثمود الناقة مبصرة " قال ابن قتيبة: أي: بينة، يريد: مبصرا بها . قال ابن الأنباري: ويجوز أن تكون مبصرة، ويصلح أن يكون المعنى: مبصر مشاهدوها، فنسب إليها فعل غيرها تجوزا، كما يقال: لا أرينك هاهنا، فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه ; إذ المعنى: لا تحضر هاهنا حتى [ ص: 52 ] إذا جئت لم أرك فيه . ومن قرأ ( مبصرة ) بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: الولد مجبنة .

قوله تعالى: " فظلموا بها " قال ابن عباس: فجحدوا بها . وقال الأخفش: بها كان ظلمهم .

قوله تعالى: " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " ; أي: نخوف العباد ليتعظوا .

وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال:

أحدها: أنها الموت الذريع، قاله الحسن . والثاني: معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين . والثالث: آيات الانتقام تخويفا من المعاصي . والرابع: تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب، ثم إلى كهولة، ثم إلى مشيب ; ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسب القول الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية