صفحة جزء
واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا [ ص: 236 ] يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا .

قوله تعالى: " واذكر في الكتاب إبراهيم " ; أي: اذكر لقومك قصته . وقد سبق معنى الصديق في [ النساء: 69 ] .

قوله تعالى: " ولا يغني عنك شيئا " ; أي: لا يدفع عنك ضرا .

قوله تعالى: " إني قد جاءني من العلم " بالله والمعرفة " ما لم يأتك " .

قوله تعالى: " لا تعبد الشيطان " ; أي: لا تطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي . وقد شرحنا معنى " كان " آنفا . و " عصيا " ; أي: عاصيا، فهو ( فعيل ) بمعنى ( فاعل ) .

قوله تعالى: " إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن " قال مقاتل: في الآخرة . وقال غيره: في الدنيا . " فتكون للشيطان وليا " ; أي: قرينا في عذاب الله، فجرت المقارنة مجرى الموالاة . وقيل: إنما طمع إبراهيم في إيمان أبيه ; لأنه [ ص: 237 ] حين خرج من النار قال له: نعم الإله إلهك يا إبراهيم، فحينئذ أقبل يعظه، فأجابه أبوه: " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم " ; أي: أتارك عبادتها أنت ؟ " لئن لم تنته " عن عيبها وشتمها، " لأرجمنك " وفيه قولان:

أحدهما: بالشتم والقول، قاله ابن عباس ومجاهد .

والثاني: بالحجارة حتى تتباعد عني، قاله الحسن .

قوله تعالى: " واهجرني مليا " فيه قولان:

أحدهما: اهجرني طويلا، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والفراء، والأكثرون . قال ابن قتيبة: اهجرني حينا طويلا، ومنه يقال: تمليت حبيبك .

والثاني: اجتنبني سالما قبل أن تصيبك عقوبتي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة والضحاك، فعلى هذا يكون من قولهم: فلان ملي بكذا وكذا: إذا كان مضطلعا به، فالمعنى: اهجرني وعرضك وافر، وأنت سليم من أذاي، قاله ابن جرير .

قوله تعالى: " قال سلام عليك " ; أي: سلمت من أن أصيبك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره، " سأستغفر لك ربي " فيه قولان:

أحدهما: أن المعنى: سأسأل الله لك توبة تنال بها مغفرته .

والثاني: أنه وعده الاستغفار، وهو لا يعلم أن ذلك محظور في حق المصرين على الكفر، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى: " إنه كان بي حفيا " فيه ثلاثة أقوال: [ ص: 238 ]

أحدها: لطيفا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد والزجاج .

والثاني: رحيما، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: بارا عودني منه الإجابة إذا دعوته، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: " وأعتزلكم " ; أي: وأتنحى عنكم، وأعتزل " ما تدعون من دون الله " يعني: الأصنام .

وفي معنى " تدعون " قولان:

أحدهما: تعبدون .

والثاني: أن المعنى: وما تدعونه ربا، " وأدعو ربي " ; أي: وأعبده، " عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا " ; أي: أرجو أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام ; لأنها لا تنفعهم ولا تجيب دعاءهم . " فلما اعتزلهم " قال المفسرون: هاجر عنهم إلى أرض الشام، فوهب الله له إسحاق ويعقوب، فآنس الله وحشته عن فراق قومه بأولاد كرام . قال أبو سليمان: وإنما وهب له إسحاق ويعقوب بعد إسماعيل .

قوله تعالى: " وكلا " ; أي: وكلا من هذين . وقال مقاتل: " وكلا " يعني: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، " جعلناه نبيا " .

قوله تعالى: " ووهبنا لهم من رحمتنا " قال المفسرون: المال والولد، والعلم والعمل، " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " قال ابن قتيبة: أي: ذكرا حسنا في الناس مرتفعا، فجميع أهل الأديان يتولون إبراهيم وذريته ويثنون عليهم، فوضع اللسان مكان القول ; لأن القول يكون باللسان . [ ص: 239 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية