صفحة جزء
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وكذلك أنـزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما .

قوله تعالى : " ويسألونك عن الجبال " سبب نزولها أن رجالا من ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ; كيف تكون الجبال يوم القيامة ؟ فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

قوله تعالى : " فقل ينسفها ربي نسفا " قال المفسرون : النسف : التذرية . والمعنى : يصيرها رمالا تسيل سيلا ، ثم يصيرها كالصوف المنفوش ، تطيرها الرياح فتستأصلها ، " فيذرها " ; أي : يدع أماكنها من الأرض إذا نسفها ، " قاعا " قال ابن قتيبة : القاع من الأرض : المستوي الذي يعلوه الماء ، والصفصف : المستوي أيضا ، يريد : أنه لا نبت فيها .

قوله تعالى : " لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " في ذلك ثلاثة أقوال : [ ص: 323 ]

أحدها : أن المراد بالعوج : الأودية ، وبالأمت : الروابي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وكذلك قال مجاهد : العوج : الانخفاض ، والأمت : الارتفاع ، وهذا مذهب الحسن ، وقال ابن قتيبة : الأمت : النبك .

والثاني : أن العوج : الميل ، والأمت : الأثر ، مثل الشراك ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أن العوج : الصدع ، والأمت : الأكمة .

قوله تعالى : " يومئذ يتبعون الداعي " قال الفراء : أي : يتبعون صوت الداعي للحشر ، لا عوج لهم عن دعائه : لا يقدرون أن لا يتبعوا .

قوله تعالى : " وخشعت الأصوات " ; أي : سكنت وخفيت ، " فلا تسمع إلا همسا " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : وطء الأقدام ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد في رواية ، واختاره الفراء والزجاج .

والثاني : تحريك الشفاه بغير نطق ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : الكلام الخفي ، روي عن مجاهد ، وقال أبو عبيدة : الصوت الخفي .

قوله تعالى : " يومئذ لا تنفع الشفاعة " يعني : لا تنفع أحدا ، " إلا من أذن له الرحمن " ; أي : إلا شفاعة من أذن له الرحمن ; أي : أذن أن يشفع له ، " ورضي له قولا " ; أي : ورضي للمشفوع فيه قولا ، وهو الذي كان في الدنيا من أهل لا إله إلا الله . " يعلم ما بين أيديهم " الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي . وقد شرحنا هذه الآية في سورة ( البقرة : 255 ) .

وفي هاء " به " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله مقاتل . والثاني : إلى " ما بين أيديهم وما خلفهم " ، قاله ابن السائب . [ ص: 324 ]

قوله تعالى : " وعنت الوجوه " قال الزجاج : عنت في اللغة : خضعت ، يقال : عنا يعنو : إذا خضع ، ومنه قيل : أخذت البلاد عنوة : إذا أخذت غلبة ، وأخذت بخضوع من أهلها . والمفسرون على أن هذا في يوم القيامة ، إلا ما روي عن طلق بن حبيب : هو وضع الجبهة والأنف ، والكفين والركبتين ، وأطراف القدمين على الأرض للسجود ، وقد شرحنا في آية الكرسي معنى الحي القيوم [ البقرة : 255 ] .

قوله تعالى : " وقد خاب من حمل ظلما " قال ابن عباس : خسر من أشرك بالله .

قوله تعالى : " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " : " من " هاهنا للجنس ، وإنما شرط الإيمان ; لأن غير المؤمن لا يقبل عمله ولا يكون صالحا ، " فلا يخاف " ; أي : فهو لا يخاف . وقرأ ابن كثير : ( فلا يخف ) على النهي .

قوله تعالى : " ظلما ولا هضما " فيه أربعة أقوال :

أحدها : لا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ، ولا أن يهضم من حسناته ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : لا يخاف أن يظلم فيزاد من ذنب غيره ، ولا أن يهضم من حسناته ، قاله قتادة .

والثالث : أن لا يخاف أن يؤاخذ بما لم يعمل ، ولا ينتقص من عمله الصالح ، قاله الضحاك .

والرابع : لا يخاف أن لا يجزى بعمله ، ولا أن ينقص من حقه ، قاله ابن زيد . قال اللغويون : الهضم : النقص ، تقول العرب : هضمت لك من حقي ; أي : حططت ، ومنه : فلان هضيم الكشحين ; أي : ضامر الجنبين ، [ ص: 325 ] ويقال : هذا شيء يهضم الطعام ; أي : ينقص ثقله . وفرق بعض المفسرين بين الظلم والهضم ، فقال : الظلم : منع الحق كله ، والهضم : منع البعض ، وإن كان ظلما أيضا .

قوله تعالى : " وكذلك أنزلناه " ; أي : وكما بينا في هذه السورة ، " أنزلناه " ; أي : أنزلنا هذا الكتاب ، " قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد " ; أي : بينا فيه ضروب الوعيد . قال قتادة : يعني : وقائعه في الأمم المكذبة .

قوله تعالى : " لعلهم يتقون " ; أي : ليكون سببا لاتقائهم الشرك بالاتعاظ بمن قبلهم ، " أو يحدث لهم " ; أي : يجدد لهم القرآن ، وقيل : الوعيد . " ذكرا " ; أي : اعتبارا ، فيتذكروا به عقاب الأمم فيعتبروا . وقرأ ابن مسعود وعاصم الجحدري : ( أو نحدث ) بنون مرفوعة .

قوله تعالى : " فتعالى الله " ; أي : جل عن إلحاد الملحدين ، وقول المشركين في صفاته ، " الملك " الذي بيده كل شيء ، " الحق " وقد ذكرناه في ( يونس : 32 ) .

قوله تعالى : " ولا تعجل بالقرآن " في سبب نزولها قولان :

أحدهما : أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالسورة والآي فيتلوها عليه ، فلا يفرغ جبريل من آخرها حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها مخافة أن ينساها ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن رجلا لطم امرأته ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص ، فنزلت هذه الآية ، فوقف [ ص: 326 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى: الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] ، قاله الحسن البصري .

قوله تعالى : " من قبل أن يقضى إليك وحيه " وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، ويعقوب : ( نقضي ) بالنون وكسر الضاد وفتح الياء ، ( وحيه ) بنصب الياء .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من تلاوته ، تخاف نسيانه ، هذا على القول الأول .

والثاني : لا تقرئ أصحابك حتى نبين لك معانيه ، قاله مجاهد وقتادة .

والثالث : لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك الوحي ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وقل رب زدني علما " فيه ثلاثة أقوال : [ ص: 327 ]

أحدها : زدني قرآنا ، قاله مقاتل . والثاني : فهما . والثالث : حفظا ، ذكرهما الثعلبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية