ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه  [ ص: 462 ] خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون  . 
قوله تعالى : " 
ولقد خلقنا الإنسان  " فيه قولان : 
أحدهما : أنه 
آدم  عليه السلام ، وإنما قيل : " 
من سلالة  " ; لأنه استل من كل الأرض ، هذا مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  في رواية ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة   . 
والثاني : أنه ابن 
آدم  ، والسلالة : النطفة استلت من الطين ، والطين : 
آدم  عليه السلام ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج   : والسلالة : فعالة ، وهي القليل مما ينسل ، وكل مبني على ( فعالة ) يراد به القليل ، من ذلك : الفضالة ، والنخالة ، والقلامة . 
قوله تعالى : " 
ثم جعلناه  " يعني : ابن 
آدم  ، " 
نطفة في قرار  " وهو الرحم ، " 
مكين  " ; أي : حريز ، قد هيئ لاستقراره فيه . وقد شرحنا في سورة ( الحج : 5 ) معنى النطفة والعلقة والمضغة . 
قوله تعالى : " 
فخلقنا المضغة عظاما  " قرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  ، 
وحفص  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم   : ( عظاما فكسونا العظام ) على الجمع . وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم   : ( عظما فكسونا العظم ) على التوحيد . 
قوله تعالى : " 
ثم أنشأناه خلقا آخر  " وهذه الحالة السابعة . قال 
علي  عليه السلام : لا تكون موءودة حتى تمر على التارات السبع  . 
وفي محل هذا الإنشاء قولان : 
أحدهما : أنه بطن الأم . ثم في صفة الإنشاء قولان : أحدهما : أنه نفخ  
[ ص: 463 ] الروح فيه ، رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وبه قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك  في آخرين . والثاني : أنه جعله ذكرا أو أنثى ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن   . 
والقول الثاني : أنه بعد خروجه من بطن أمه . ثم في صفة هذا الإنشاء أربعة أقوال : أحدها : أن ابتداء ذلك الإنشاء أنه استهل ، ثم دل على الثدي ، وعلم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن تقلب في البلاد ، رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   . والثاني : أنه استواء الشباب ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر   nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد   . والثالث : أنه خروج الأسنان والشعر ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك  ، فقيل له : أليس يولد وعلى رأسه الشعر ؟ فقال : وأين العانة والإبط ؟ والرابع : أنه إعطاء العقل والفهم ، حكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي   . 
قوله تعالى : " 
فتبارك الله  " ; أي : استحق التعظيم والثناء . وقد شرحنا معنى " تبارك " في ( الأعراف : 54 ) . " 
أحسن الخالقين  " ; أي : المصورين والمقدرين ، والخلق في اللغة : التقدير . وجاء في الحديث 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده  nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  ، إلى قوله تعالى : " خلقا آخر  " ، فقال  nindex.php?page=showalam&ids=2عمر   : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد ختمت بما تكلمت به يابن الخطاب   "  . 
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : " 
أحسن الخالقين  " وقوله : 
هل من خالق غير الله  [ فاطر : 3 ] ؟  
[ ص: 464 ] 
فالجواب : أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد ، ولا موجد سوى الله ، ويكون بمعنى التقدير ، كقول 
زهير   : 
 [ ولأنت تفري ما خلقت ] وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري 
فهذا المراد هاهنا ، أن بني 
آدم  قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشيء ، فالله خير المصورين والمقدرين . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش   : الخالقون هاهنا هم الصانعون ، فالله خير الخالقين . 
قوله تعالى : " 
ثم إنكم بعد ذلك  " ; أي : بعد ما ذكر من تمام الخلق ، " 
لميتون  " عند انقضاء آجالكم . وقرأ 
أبو رزين العقيلي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة   : ( لمائتون ) بألف . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء   : 
والعرب  تقول لمن لم يمت : إنك مائت عن قليل ، وميت ، ولا يقولون للميت الذي قد مات : هذا مائت ، إنما يقال في الاستقبال فقط ، وكذلك يقال : هذا سيد قومه اليوم ، فإذا أخبرت أنه يسودهم عن قليل ، قلت : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذلك هذا شريف القوم ، وهذا شارف عن قليل ، وهذا الباب كله في العربية على ما وصفت لك .