صفحة جزء
والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا [ ص: 150 ] الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون وقرأ نافع : " يتبعهم " بسكون التاء ; والوجهان حسنان ، يقال : تبعت واتبعت ، مثل حقرت واحتقرت .

وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تهاجيا ، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، فقال الله : والشعراء يتبعهم الغاوون . وفي رواية أخرى عن ابن عباس ، قال : هم شعراء المشركين . قال مقاتل : منهم عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن حرب ، وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين ، قالوا : نحن نقول مثل قول محمد ، وقالوا الشعر ، فاجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويروون عنهم .

وفي الغاوين ثلاثة أقوال .

أحدها : الشياطين ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثاني : السفهاء ، قاله الضحاك . والثالث : المشركون ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون هذا مثل بمن يهيم في الأودية ; والمعنى أنهم يأخذون في كل فن من لغو وكذب وغير ذلك ; فيمدحون بباطل ويذمون بباطل ، ويقولون : فعلنا ، ولم يفعلوا .

[ ص: 151 ] قوله تعالى: إلا الذين آمنوا قال ابن عباس : لما نزل ذم الشعراء ، جاء كعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، فقالوا : يا رسول الله ، أنزل الله هذا وهو يعلم أنا شعراء ، فنزلت هذه الآية . قال المفسرون : وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذموا من هجاء ، وذكروا الله كثيرا أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ولم يجعلوا الشعر همهم . وقال ابن زيد : وذكروا الله في شعرهم . وقيل : المراد بالذكر : الشعر في طاعة الله عز وجل .

قوله تعالى: وانتصروا أي : من المشركين من بعد ما ظلموا لأن المشركين بدؤوا بالهجاء . ثم أوعد شعراء المشركين ، فقال : وسيعلم الذين ظلموا أي : أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أي منقلب [ ص: 152 ] ينقلبون قال الزجاج : " أي " منصوبة بقوله : ينقلبون لا بقوله : " سيعلم " لأن " أيا " وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها . ومعنى الكلام : إنهم ينقلبون إلى نار يخلدون فيها .

وقرأ ابن مسعود ، ومجاهد عن ابن عباس ، وأبو المتوكل ، وأبو رجاء : " أي متقلب يتقلبون " بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبو العالية ، وأبو مجلز ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : " أي منفلت ينفلتون " بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين . وكان شريح يقول : سيعلم الظالمون حظ من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية