صفحة جزء
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين . وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا فيه أربعة أقوال .

أحدها : فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك .

والثاني : أصبح فؤادها فزعا ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وهي قراءة أبي رزين ، وأبي العالية ، والضحاك ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، فإنهم قرؤوا : " فزعا " بزاي معجمة .

والثالث : فارغا من وحينا بنسيانه ، قاله الحسن ، وابن زيد . [ ص: 205 ] والرابع : فارغا من الحزن ، لعلمها أنه لم يقتل ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : وهذا من أعجب التفسير ، كيف يكون كذلك والله يقول : لولا أن ربطنا على قلبها ؟! وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون؟!

قوله تعالى: إن كادت لتبدي به في هذه الهاء قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى موسى . ومتى أرادت هذا؟ فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه حين فارقته ; روى سعيد بن جبير عن ابن عباس [أنه] قال : كادت تقول : يا بنياه . قال قتادة : وذلك من شدة وجدها . والثاني حين حملت لرضاعه ثم كادت تقول : هو ابني ، قاله السدي . والثالث : أنه لما كبر وسمعت الناس يقولون : موسى بن فرعون ، كادت تقول : لا بل هو ابني ، قاله ابن السائب .

والقول الثاني : أنها ترجع إلى الوحي ; والمعنى : إن كادت لتبدي بالوحي ، حكاه ابن جرير .

قوله تعالى: لولا أن ربطنا على قلبها قال الزجاج : المعنى : لولا ربطنا على قلبها ، والربط : إلهام الصبر وتشديد القلب وتقويته .

قوله تعالى: لتكون من المؤمنين أي : من المصدقين بوعد الله . وقالت لأخته قصيه قال ابن عباس : قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا ، [أي] : أحي هو ، أو قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي وعدها الله فيه . وقال وهب : إنما قالت لأخته: قصيه ، لأنها سمعت أن فرعون قد أصاب صبيا في تابوت . قال مقاتل : واسم أخته : مريم . قال ابن قتيبة : ومعنى " قصيه " : قصي أثره واتبعيه فبصرت به عن جنب أي : عن [ ص: 206 ] بعد منها عنه وإعراض ، لئلا يفطنوا ، والمجانبة من هذا . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو مجلز : " عن جناب " بفتح الجيم والنون وبألف بعدهما . وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : " عن جانب " بفتح الجيم وكسر النون وبينهما ألف . وقرأ قتادة ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : " عن جنب " بفتح الجيم وإسكان النون من غير ألف .

قوله تعالى: وهم لا يشعرون فيه قولان .

أحدهما : وهم لا يشعرون أنه عدو لهم ، قاله مجاهد .

والثاني : لا يشعرون أنها أخته ، قاله السدي .

قوله تعالى: وحرمنا عليه المراضع وهي جمع مرضع من قبل أي : من قبل أن نرده على أمه ، وهذا تحريم منع ، لا تحريم شرع . قال المفسرون : بقي ثمانية أيام ولياليهن ، كلما أتي بمرضع لم يقبل ثديها ، فأهمهم ذلك واشتد عليهم فقالت لهم أخته : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم فقالوا لها : نعم ، من تلك؟ فقالت : أمي ، قالوا : وهل لها لبن قالت لبن هارون . فلما جاءت قبل ثديها . وقيل : إنها لما قالت : وهم له ناصحون قالوا : لعلك تعرفين أهله ، قالت : لا ، ولكني إنما قلت : وهم للملك ناصحون .

قوله تعالى: فرددناه إلى أمه قد شرحناه في (طه : 40) .

قوله تعالى: ولتعلم أن وعد الله يرد ولدها حق وهذا علم عيان ومشاهدة ولكن أكثرهم لا يعلمون أن الله وعدها أن يرده إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية