صفحة جزء
[ ص: 239 ] إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين

قوله تعالى: إن قارون كان من قوم موسى أي : من عشيرته ; وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه كان ابن عمه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن الحارث ، وإبراهيم ، وابن جريج .

والثاني : ابن خالته ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : أنه كان عم موسى ، قاله ابن إسحاق .

قال الزجاج : " قارون " اسم أعجمي لا ينصرف ، ولو كان " فاعولا " من العربية من " قرنت الشيء " لا نصرف .

قوله تعالى: فبغى عليهم فيه خمسة أقوال . أحدها : أنه جعل لبغي جعلا على أن تقذف موسى بنفسها ، ففعلت ، فاستحلفها موسى على ما قالت ، فأخبرته بقصتها ، فكان هذا بغيه ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه بغى بالكفر بالله تعالى ، قاله الضحاك . والثالث : بالكبر ، قاله قتادة . والرابع : أنه زاد في طول ثيابه شبرا ، قاله عطاء الخراساني ، وشهر بن حوشب . والخامس : أنه كان يخدم فرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم حكاه الماوردي . [ ص: 240 ] وفي المراد بمفاتحه قولان .

أحدهما : أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب ، قاله مجاهد ، وقتادة . وروى الأعمش عن خيثمة قال : كانت مفاتيح قارون وقر ستين بغلا ، وكانت من جلود ، كل مفتاح مثل الإصبع .

والثاني : أنها خزائنه ، قاله السدي ، وأبو صالح ، والضحاك . قال الزجاج : وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله ; وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة . قال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا .

قوله تعالى: لتنوء بالعصبة أي : تثقلهم وتميلهم . ومعنى الكلام : لتنئ العصبة ، فلما دخلت الباء في " العصبة " انفتحت التاء ، كما تقول : هذا يذهب بالأبصار ، وهذا يذهب الأبصار ، وهذا اختيار الفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . وقال بعضهم : هذا من المقلوب ، وتقديره : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه ، كما يقال : إنها لتنوء بها عجيزتها ، أي : هي تنوء بعجيزتها وأنشدوا :


فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلا ما أطيق



أي : فديت بنفسي وبمالي نفسه ، وهذا اختيار أبي عبيدة ، والأخفش . وقد بينا معنى العصبة في سورة (يوسف : 8) ، و[في] المراد بها [ها هنا] ستة أقوال . أحدها : أربعون رجلا ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : خمسة عشر ، قاله مجاهد . والرابع : فوق العشرة إلى الأربعين ، قاله قتادة . والخامس : سبعون رجلا ، قاله أبو صالح . والسادس : ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين ، حكاه الزجاج .

[ ص: 241 ] قوله تعالى: إذ قال له قومه في القائل له قولان . أحدهما : أنهم المؤمنون من قومه ، قاله السدي . والثاني : أنه قول موسى له ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لا تفرح قال ابن قتيبة : المعنى : لا تأشر ، ولا تبطر ، قال الشاعر :


ولست بمفراح إذا الدهر سرني     ولا جازع من صرفه المتحول



أي : لست بأشر ، فأما السرور ، فليس بمكروه . إن الله لا يحب الفرحين وقرأ أبو رجاء ، وأبو حيوة ، وعاصم الجحدري ، وابن أبي عبلة : " الفارحين " [بألف] .

قوله تعالى: وابتغ فيما آتاك الله أي : اطلب فيما أعطاك الله من الأموال . وقرأ أبو المتوكل ، وابن السميفع : " واتبع " بتشديد التاء وكسر الباء بعدها وعين ساكنة غير معجمة (الدار الآخرة) وهي : الجنة ; وذلك يكون بإنفاقه في رضى الله تعالى وشكر المنعم به ولا تنس نصيبك من الدنيا فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن يعمل في الدنيا للآخرة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور . والثاني : أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه ، قاله الحسن . والثالث : أن يستغني بالحلال عن الحرام ، قاله قتادة .

وفي معنى : وأحسن كما أحسن الله إليك ثلاثة أقوال حكاها الماوردي . أحدها : أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك . والثاني : أحسن فيما [ ص: 242 ] افترض عليك كما أحسن في إنعامه إليك . والثالث : أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال .

قوله تعالى: ولا تبغ الفساد في الأرض فتعمل فيها بالمعاصي .

قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون .

قوله تعالى: إنما أوتيته يعني المال على علم عندي فيه خمسة أقوال .

أحدها : على علم عندي بصنعة الذهب ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ; قال الزجاج : وهذا لا أصل له ، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له . والثاني : برضى الله عني قاله ابن زيد . والثالث : على خير علمه الله عندي ، قاله مقاتل . والرابع : إنما أعطيته لفضل علمي ، قاله الفراء . قال الزجاج : ادعى أنه أعطي المال لعلمه بالتوراة . والخامس : على علم عندي بوجوه المكاسب ، حكاه الماوردي .

[ ص: 243 ] قوله تعالى: أولم يعلم يعني قارون أن الله قد أهلك بالعذاب من قبله من القرون في الدنيا حين كذبوا رسلهم من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا للأموال .

وفي قوله : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ثلاثة أقوال . أحدها : لا يسألون ليعلم ذلك من قبلهم وإن سئلوا سؤال توبيخ ، قاله الحسن . والثاني : أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم ، قاله مجاهد . والثالث : يدخلون النار بغير حساب ، قاله قتادة . وقال السدي : يعذبون ولا يسألون عن ذنوبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية