صفحة جزء
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما . ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا

قوله تعالى: إنا أحللنا لك أزواجك ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلها له، فقال: أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي: مهورهن، وهن اللواتي تزوجتهن بصداق وما ملكت يمينك يعني الجواري [ ص: 404 ] مما أفاء الله عليك أي: رد عليك من الكفار، كصفية وجويرية، فإنه أعتقهما وتزوجهما وبنات عمك وبنات عماتك يعني نساء قريش وبنات خالك وبنات خالاتك يعني نساء بني زهرة اللاتي هاجرن معك إلى المدينة . قال القاضي أبو يعلى: و[ظاهر] هذا يدل على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يحل له نكاحها . وقالت أم هانئ خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذر، ثم أنزل الله تعالى: " إنا أحللنا لك أزواجك " إلى قوله: اللاتي هاجرن معك قالت: فلم أكن حل له، لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء; وهذا يدل من مذهبها أن تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر .

وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه . وحكى الماوردي في ذلك قولين . أحدهما: أن الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق . والثاني: أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات .

[ ص: 405 ] قوله تعالى: وامرأة مؤمنة أي: وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك، إن أراد النبي أن يستنكحها أي: إن آثر نكاحها خالصة لك أي: خاصة . قال الزجاج: وإنما قال: " إن وهبت نفسها للنبي " ولم يقل: " لك " ، لأنه لو قال: " لك " ، جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العم وبنات العمات . و " خالصة " منصوب على الحال .

وللمفسرين في معنى خالصة ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المرأة إذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب .

والثاني: أن له أن ينكحها بلا ولي ولا مهر دون غيره، قاله قتادة .

والثالث : خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد .

وفي المرأة التي وهبت له نفسها أقوال . أحدها: أم شريك . والثاني: خولة بنت حكيم . ولم يدخل بواحدة منهما . وذكروا أن ليلى بنت الخطيم وهبت [ ص: 406 ] نفسها له فلم يقبلها . قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث، وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة . والأول: أصح .

قوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم أي: على المؤمنين غيرك في أزواجهم وفيه قولان .

أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد .

والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إلا بولي وشاهدين وصداق، قاله قتادة .

قوله تعالى: وما ملكت أيمانهم أي: وما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور .

قوله تعالى: لكيلا يكون عليك حرج هذا فيه تقديم; المعنى: [ ص: 407 ] أحللنا لك أزواجك، إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين لكيلا يكون عليك حرج .

قوله تعالى: ترجي من تشاء منهن قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " ترجئ " مهموزا; وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز . وسبب نزولها أنه لما نزلت آية التخيير المتقدمة، أشفقن أن يطلقن، فقلن: يا نبي الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين .

وفي معنى الآية أربعة أقوال .

أحدها: تطلق من تشاء من نسائك، وتمسك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس .

والثاني: تترك نكاح من تشاء، وتنكح من نساء أمتك من تشاء، قاله الحسن .

والثالث : تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تعزلها، قاله مجاهد . والرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن، وتترك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة .

وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن، غير أنه كان يسوي [ ص: 408 ] بينهن . وقال الزهري: ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات . وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء . وأرجأ سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء . وكان أراد فراقهن فقلن: اقسم لنا ما شئت، ودعنا على حالنا . وقال قوم: إنما أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يقسم لثمان .

قوله تعالى: وتؤوي أي: تضم، ومن ابتغيت ممن عزلت أي: إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة فلا جناح عليك أي: لا ميل عليك بلوم ولا عتب ذلك أدنى أن تقر أعينهن أي: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن . والمعنى: إنهن إذا علمن أن هذا أمر من الله، كان أطيب لأنفسهن . وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: " أن تقر " بضم التاء وكسر القاف " أعينهن " بنصب النون .

[ ص: 409 ] ويرضين بما آتيتهن كلهن أي: بما أعطيتهن من تقريب وتأخير والله يعلم ما في قلوبكم من الميل إلى بعضهن . والمعنى: إنما خيرناك تسهيلا عليك .

قوله تعالى: لا يحل لك النساء كلهم قرأ: " لا يحل " بالياء، غير أبي عمرو، فإنه قرأ بالتاء; والتأنيث ليس بحقيقي، إنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان .

وفي قوله: من بعد ثلاثة أقوال .

أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهن التسع، فصار [مقصورا] عليهن ممنوعا من غيرهن وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير .

[ ص: 410 ] والثاني: من بعد الذي أحللنا لك، فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله: إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله: خالصة لك ; قاله أبي بن كعب ، والضحاك .

والثالث : لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، وتحل لك المسلمات، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ولا أن تبدل بهن فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن تطلق زوجاتك وتستبدل بهن سواهن، قاله الضحاك .

والثاني: أن تبدل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين .

والثالث : أن تعطي الرجل زوجتك، وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد .

قوله تعالى: إلا ما ملكت يمينك يعني الإماء .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال .

أحدها: إلا أن تملك بالسبي، فيحل لك وطؤها وإن كانت من غير الصنف الذي أحللته لك; وإلى هذا أومأ أبي بن كعب في آخرين .

والثاني: إلا أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس، ومجاهد .

[ ص: 411 ] والثالث : إلا أن تبدل أمتك بأمة غيرك، قاله ابن زيد .

قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إلا أنا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يدن منها حتى أسلمت .

فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين .

أحدهما: أنها منسوخة بقوله: إنا أحللنا لك أزواجك وهذا مروي عن علي، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك . وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء، قال أبو سليمان الدمشقي: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات .

والقول الثاني: أنها محكمة; ثم فيها قولان .

أحدهما: أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن، فلم يحل له غيرهن، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث .

والثاني: أن المراد بالنساء ها هنا: الكافرات، ولم يجز له أن يتزوج كافرة، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية