صفحة جزء
أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم . إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه [ ص: 62 ] رءوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم . إنهم ألفوا آباءهم ضالين . فهم على آثارهم يهرعون . ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين . ولقد أرسلنا فيهم منذرين . فانظر كيف كان عاقبة المنذرين . إلا عباد الله المخلصين .

أذلك خير يشير إلى ما وصف لأهل الجنة نزلا قال ابن قتيبة : أي: رزقا، ومنه: إقامة الإنزال، وإنزال الجنود: أرزاقها . وقال الزجاج : النزل هاهنا: الريع والفضل، يقال: هذا طعام له نزل ونزل، بتسكين الزاي وضمها; والمعنى: أذلك خير في باب الأنزال التي تتقوت ويمكن معها الإقامة، أم نزل أهل النار؟! وهو قوله: أم شجرة الزقوم ؟ .

واختلف العلماء هل هذه الشجرة في الدنيا، أم لا؟

فقال قطرب: هي شجرة مرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر . وقال غيره: الزقوم: ثمرة شجرة كريهة الطعم . وقيل: إنها لا تعرف في شجر الدنيا، وإنما هي في النار، يكره أهل النار على تناولها .

قوله تعالى: إنا جعلناها فتنة للظالمين يعني للكافرين . وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه لما ذكر أنها في النار، افتتنوا وكذبوا، فقالوا: كيف يكون [ ص: 63 ] في النار شجرة، والنار تأكل الشجر؟! فنزلت هذه الآية، قاله قتادة . وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه .

والثاني: أن الفتنة بمعنى العذاب، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أن الفتنة بمعنى الاختبار، اختبروا بها فكذبوا، قاله الزجاج .

قوله تعالى: تخرج في أصل الجحيم أي: في قعر النار . قال الحسن: أصلها في قعر النار، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها . طلعها أي: ثمرها، وسمي طلعا، لطلوعة كأنه رءوس الشياطين .

فإن قيل: كيف شبهها بشيء لم يشاهد؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين -وإن لم تشاهد- فجاز تشبيهها بما قد علم قبحه، قال امرؤ القيس:


أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال



قال الزجاج : هو لم ير الغول ولا أنيابها، ولكن التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكر أن يمثل بالشياطين، وفي باب المؤنث أن يشبه بالغول .

والثاني: أن بين مكة واليمن شجر يسمى: رؤوس الشياطين، فشبهها بها، قاله ابن السائب .

[ ص: 64 ] والثالث: أنه أراد بالشياطين: حيات لها رؤوس ولها أعراف، شبه طلعها برؤوس الحيات، ذكره الزجاج . قال الفراء: والعرب تسمي بعض الحيات شيطانا، وهو حية ذو عرف قبيح الوجه .

قوله تعالى: فإنهم لآكلون منها أي: من ثمرها فمالئون منها البطون وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم .

ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم قال ابن قتيبة : أي: خلطا من الماء الحار يشربونه عليها . قال أبو عبيدة: تقول العرب: كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب . قال المفسرون: إذا أكلوا الزقوم ثم شربوا عليه الحميم، شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا له .

ثم إن مرجعهم أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم لإلى الجحيم وذلك أن الحميم خارج الجحيم، فهم يوردونه كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم; ويدل على هذا قوله: يطوفون بينها وبين حميم آن [الرحمن: 44] . و ألفوا بمعنى وجدوا . و يهرعون مشروح في [هود: 78]، والمعنى أنهم يتبعون آباءهم في سرعة . ولقد ضل قبلهم أي: قبل هؤلاء المشركين أكثر الأولين من الأمم الخالية .

[ ص: 65 ] قوله تعالى: إلا عباد الله المخلصين يعنى الموحدين، فإنهم نجوا من العذاب . قال ابن جرير: وإنما حسن الاستثناء، لأن المعنى: فانظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية