صفحة جزء
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب . قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

قوله تعالى: أمن هو قانت قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وأبو جعفر، [ ص: 166 ] والمفضل عن عاصم، وزيد عن يعقوب: "أمن" بالتخفيف; وقرأ الباقون: بالتشديد . فأما المشددة، فمعناها: أهذا الذي ذكرنا خير، أمن هو قانت؟ والأصل في "أمن": أم من، فأدغمت الميم في الميم . وأما المخففة، ففي تقديرها ثلاثة أوجه .

أحدها: أنها بمعنى النداء . قال الفراء: فسرها الذين قرؤوا بها فقالوا: يا من هو قانت، وهو وجه حسن، والعرب تدعو بالألف كما تدعو بياء، فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل، فيكون المعنى: أنه ذكر الناسي الكافر، ثم قص قصة الصالح بالنداء، كما تقول: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم أبشر .

والثاني: أن تقديرها: أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟!

والثالث: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا؟!

وقد ذكرنا معنى القنوت في [البقرة: 116] ومعنى آناء الليل في [آل عمران: 113] .

قوله تعالى: ساجدا وقائما يعني في الصلاة . وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال . أحدها: أنه أبو بكر الصديق، رواه عطاء عن ابن عباس . [ ص: 167 ] والثاني: عثمان بن عفان، قاله ابن عمر . والثالث: عمار بن ياسر، قاله مقاتل . والرابع: ابن مسعود، وعمار، وصهيب، وأبو ذر، قاله ابن السائب . والخامس: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام .

قوله تعالى: يحذر الآخرة أي: عذاب الآخرة . وقد قرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعروة، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأبو عمران: "يحذر عذاب الآخرة" بزيادة "عذاب" .

ويرجو رحمة ربه فيها قولان . أحدهما: أنها المغفرة، قاله ابن السائب . والثاني: الجنة، قاله مقاتل .

قوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون أن ما وعد الله من الثواب [ ص: 168 ] والعقاب حق والذين لا يعلمون وباقي الآية قد تقدم في [الرعد: 19]، وكذلك قوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة قد تقدم في [النحل: 30] .

وفي قوله: وأرض الله واسعة قولان . أحدهما: أنه حث لهم على الهجرة من مكة إلى حيث يأمنون . والثاني: أنها أرض الجنة رغبهم فيها .

إنما يوفى الصابرون الذين صبروا لأجل الله تعالى على ما نالهم بغير حساب أي :يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب وأعظم من أن يحاط به، لا على قدر أعمالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية