صفحة جزء
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون . إنك ميت وإنهم ميتون . ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون .

قوله تعالى: ضرب الله مثلا ثم بينه فقال: رجلا فيه شركاء متشاكسون قال ابن قتيبة : أي: مختلفون، يتنازعون ويتشاحون فيه، يقال: رجل شكس . وقال اليزيدي: الشكس من الرجال: الضيق الخلق .

قال المفسرون: وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فإن الكافر يعبد [ ص: 180 ] آلهة شتى، فمثله بعبد يملكه جماعة يتنافسون في خدمته، ولا يقدر أن يبلغ رضاهم أجمعين; والمؤمن يعبد الله وحده، فمثله بعبد لرجل واحد، قد علم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاكس الخلطاء فيه، فذلك قوله: سلما لرجل قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إلا عبد الوارث في غير رواية القزاز، وأبان عن عاصم: "ورجلا سالما" بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما; والمعنى: ورجلا خالصا لرجل قد سلم له من غير منازع . ورواه عبد الوارث إلا القزاز كذلك، إلا أنه رفع الاسمين، فقال: "ورجل سالم لرجل" وقرأ ابن أبي عبلة: "سلم لرجل" بكسر السين ورفع الميم . وقرأ الباقون: "ورجلا سلما" بفتح السين واللام [وبالنصب] فيهما والتنوين . والسلم، بفتح السين واللام، معناه الصلح، والسلم بكسر السين مثله . قال الزجاج : من قرأ: "سلما" و "سلما" فهما مصدران وصف بهما، فالمعنى: ورجلا ذا سلم لرجل وذا سلم لرجل; فالمعنى: ذا سلم; والسلم: الصلح، والسلم، بكسر السين مثله . وقال ابن قتيبة : [من قرأ]: "سلما لرجل" أراد: سلم إليه فهو سلم له . وقال أبو عبيدة: السلم والسلم الصلح .

قوله تعالى: هل يستويان مثلا هذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا يستويان، لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين . وقيل: لا يستويان في باب الراحة، لأن هذا قد عرف الطريق إلى رضى مالكه، وذاك متحير بين الشركاء . قال ثعلب: وإنما قال "هل يستويان مثلا" ولم يقل: مثلين، لأنهما جميعا ضربا [ ص: 181 ] مثلا واحدا، ومثله: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون: 50]، ولم يقل: آيتين، لأن شأنهما واحد . وتم الكلام هاهنا، ثم قال: الحمد لله أي: له الحمد دون غيره من المعبودين بل أكثرهم لا يعلمون والمراد بالأكثر الكل .

ثم أخبر نبيه بما بعد هذا الكلام أنه يموت، وأن الذين يكذبونه يموتون، وأنهم يجتمعون للخصومة عند الله عز وجل، المحق والمبطل، والمظلوم والظالم . وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها، وما نرى أنها نزلت الا فينا وفي أهل الكتابين، حتى قتل عثمان، فعرفت أنها فينا نزلت . وفي لفظ آخر: حتى وقعت الفتنة بين علي ومعاوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية