صفحة جزء
[ ص: 204 ] سورة المؤمن

قال أبو سليمان الدمشقي: ويقال لها: سورة الطول . وهي مكية، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة . وحكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها آيتين نزلتا بالمدينة: قوله: الذين يجادلون في آيات الله والتي بعدها [المؤمن: 35، 36] . قال الزجاج : وذكر أن الحواميم كلها نزلت بمكة . قال ابن قتيبة : يقال: إن "حم" اسم من أسماء الله أضيفت هذه السورة إليه، كأنه قيل: سورة الله، لشرفها وفضلها، فقيل: آل حاميم، وإن كان القرآن كله سور الله، وإن هذا كما يقال: بيت الله، وحرم الله، وناقة الله، قال الكميت:


وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها منا تقي ومعرب



وقد تجعل "حم" اسما للسورة، ويدخل الإعراب ولا يصرف، ومن قال هذا في الجميع: الحواميم، كما يقال: "طس" والطواسين . وقال محمد بن القاسم الأنباري: العرب تقول: وقع في الحواميم، وفي آل حميم، أنشد أبو عبيدة:

حلفت بالسبع اللواتي طولت     وبمئين بعدها قد أمئيت


وبمثان ثنيت فكررت     وبالطواسين اللواتي ثلثت


[ ص: 205 ] وبالحواميم اللواتي سبعت      [وبالمفصل اللواتي فصلت]



فمن قال: وقع في آل حاميم، جعل حاميم اسما لكلهن; ومن قال: وقع في الحواميم، جعل "حم" كأنه حرف واحد بمنزلة قابيل وهابيل . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: من الخطإ أن تقول: قرأت الحواميم، وليس من كلام العرب، والصواب أن تقول، قرأت آل حاميم . وفي حديث ابن مسعود "إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات"، وقال الكميت:

وجدنا لكم في آل حاميم آية

بسم الله الرحمن الرحيم

حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير .

وفي حم أربعة أقوال .

أحدها: قسم أقسم الله به وهو من أسمائه عز وجل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . قال أبو سليمان: وقد قيل: إن جواب القسم قوله: إن الذين كفروا ينادون [المؤمن: 10] .

[ ص: 206 ] والثاني: أنها حروف من أسماء الله عز وجل، ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن "الر" و "حم" و "نون" حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: أن الحاء مفتاح اسمه "حميد"، والميم مفتاح اسمه "مجيد"، قاله أبو العالية . والثالث: أن الحاء مفتاح كل اسم لله ابتداؤه حاء، مثل "حكيم"، و "حليم"، و "حي"، والميم مفتاح كل اسم له، ابتداؤه ميم مثل "ملك"، و "متكبر"، و "مجيد"، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وروي نحوه عن عطاء الخراساني .

والثالث: أن معنى "حم": قضي ما هو كائن، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروي عن الضحاك والكسائي مثل هذا كأنهما أرادا الإشارة إلى حم، بضم الحاء وتشديد الميم . قال الزجاج : وقد قيل في "حم": حم الأمر . والرابع: أن "حم" اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة . وقرأ ابن كثير: "حم" بفتح الحاء; وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بكسرها; واختلف عن الباقين . قال الزجاج : أما الميم، فساكنة في قراءة القراء كلهم الا عيسى ابن عمر فإنه فتحها; وفتحها على ضربين . أحدهما: أن يجعل "حم" اسما للسورة، فينصبه ولا ينونه، لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية نحو هابيل وقابيل . والثاني: على معنى: اتل حم; والأجود أن يكون فتح لالتقاء الساكنين حيث جعله اسما للسورة، ويكون حكاية حروف الهجاء .

قوله تعالى: تنزيل الكتاب أي: هذا تنزيل الكتاب . والتوب: [ ص: 207 ] جمع توبة، وجائز أن يكون مصدرا من تاب يتوب توبا . والطول: الفضل . قال أبو عبيدة: يقال: فلان ذو طول على قومه، أي: ذو فضل . وقال ابن قتيبة : يقال: طل علي يرحمك الله، أي: تفضل . قال الخطابي: ذو: حرف النسبة، والنسبة في كلامهم على ثلاثة أوجه: بالياء، كقولهم: أسدي، وبكري، والثاني على الجمع، كقولهم: المهالبة، والمسامعة، والأزارقة، والثالث بـ "ذي" و "ذات"، كقولهم: رجل مال، أي: ذو مال، وكبش صاف، أي: ذو صوف، وناقة ضامر، أي: ذات ضمر; فقوله: ذو الطول، معناه: أهل الطول والفضل .

التالي السابق


الخدمات العلمية