صفحة جزء
[ ص: 210 ] هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب . فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق . يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار . اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب .

هو الذي يريكم آياته أي: مصنوعاته التي تدل على وحدانيته وقدرته . والرزق هاهنا: المطر، سمي رزقا، لأنه سبب الأرزاق . و "يتذكر" بمعنى يتعظ، و "ينيب" بمعنى يرجع إلى الطاعة .

ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال: فادعوا الله مخلصين له الدين أي: موحدين .

قوله تعالى: رفيع الدرجات قال ابن عباس: يعني رافع السموات . وحكى الماوردي عن بعض المفسرين قال: معناه: عظيم الصفات .

قوله تعالى: ذو العرش أي: خالقه ومالكه .

قوله تعالى: يلقي الروح فيه خمسة أقوال .

أحدها: أنه القرآن . والثاني: النبوة . والقولان مرويان عن ابن عباس . وبالأول قال ابن زيد، وبالثاني قال السدي . والثالث: الوحي، قاله قتادة . وإنما سمي القرآن والوحي روحا، لأن قوام الدين به، كما أن قوام البدن بالروح . والرابع: جبريل، قاله الضحاك . والخامس: الرحمة، حكاه إبراهيم الحربي .

[ ص: 211 ] قوله تعالى: من أمره فيه ثلاثة أقوال . أحدها: من قضائه، قاله ابن عباس . والثاني: بأمره، قاله مقاتل . والثالث: من قوله، ذكره الثعلبي .

قوله تعالى: على من يشاء من عباده يعني الأنبياء .

لينذر في المشار إليه قولان . أحدهما: أنه الله عز وجل . والثاني: النبي الذي يوحى إليه .

والمراد بـ يوم التلاق : يوم القيامة . وأثبت ياء ( التلاقي ) في الحالين ابن كثير ويعقوب، وأبو جعفر وافقهما في الوصل; والباقون بغير ياء في الحالين . وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال .

أحدها: أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .

والثاني: يلتقي فيه الأولون والآخرون، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: [يلتقي] فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل .

والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران .

والخامس: يلتقي المرء بعمله، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: يوم هم بارزون أي: ظاهرون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء .

فإن قيل: فهل يخفى عليه منهم اليوم شيء؟

فالجواب: أن لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء; وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: لا يخفى عليه مما عملوا شيء، قاله ابن عباس . والثاني: [ ص: 212 ] لا يستترون منه بجبل ولا مدر، قاله قتادة . والثالث: أن المعنى: أبرزهم جميعا، لأنه لا يخفى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لمن الملك اليوم اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز وجل بعد فناء الخلائق . واختلفوا في وقت قوله له على قولين .

أحدهما: [أنه] يقوله عند فناء الخلائق إذا لم يبق مجيب، فيرد هو على نفسه فيقول: لله الواحد القهار ، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه يقوله يوم القيامة .

وفيمن يجيبه حينئذ قولان . أحدهما: أنه يجيب نفسه وقد سكت الخلائق لقوله، قاله عطاء . والثاني: أن الخلائق كلهم يجيبونه فيقولون: "لله الواحد القهار"، قاله ابن جريج .

التالي السابق


الخدمات العلمية