صفحة جزء
وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين . إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم .

قوله تعالى: وقال الذين كفروا لما دخلوا النار ربنا أرنا اللذين أضلانا وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "أرنا" بسكون الراء . قال المفسرون: يعنون إبليس وقابيل، لأنهما سنا المعصية، نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين أي: في الدرك الأسفل، وهو أشد عذابا من غيره .

ثم ذكر المؤمنين فقال: إن الذين قالوا ربنا الله [أي: وحدوه] ثم استقاموا فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 254 ] أحدها: استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصديق، ومجاهد .

والثاني: على طاعة الله وأداء فرائضه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة .

والثالث: على الإخلاص والعمل إلى الموت، قاله أبو العالية، والسدي .

وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق، وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربنا الله، وعزير ابنه، ومحمد ليس بنبي، فلم يستقيموا، وقالت النصارى: ربنا الله، والمسيح ابنه، ومحمد ليس بنبي، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده، ومحمد عبده ورسوله، فاستقام .

قوله تعالى: تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا أي: بأن لا تخافوا . وفي وقت نزولها عليهم قولان .

أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد; فعلى هذا في معنى "لا تخافوا" قولان . أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد . والثاني: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة، والسدي .

والقول الثاني: تتنزل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة ; فيكون معنى "لا تخافوا": أنهم يبشرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة .

[ ص: 255 ] قوله تعالى: نحن أولياؤكم قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم، والمعنى: نحن [الذين] كنا نتولاكم في الدنيا، لأن الملائكة تتولى المؤمنين وتحبهم لما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، وفي الآخرة أي: ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة . وقال السدي: هم الحفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: "نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة"; وقيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح .

قوله تعالى: ولكم فيها أي: في الجنة .

نزلا قال الزجاج : معناه: أبشروا بالجنة تنزلونها [نزلا] . وقال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أنزلناه نزلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية