صفحة جزء
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون . لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين . ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون . أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون . أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون . قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين . سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون . فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون .

قوله تعالى: إن المجرمين يعني الكافرين، لا يفتر أي: لا يخفف عنهم وهم فيه يعني في العذاب مبلسون قال ابن قتيبة : آيسون من رحمة الله . وقد شرحنا هذا في [الأنعام: 44] وما ظلمناهم أي: ما عذبناهم على غير ذنب ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بما جنوا عليها . قال الزجاج : والبصريون يقولون: "هم" هاهنا فصل، كذلك يسمونها، ويسميها الكوفيون: العماد .

قوله تعالى: ونادوا يا مالك وقرأ علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وابن مسعود، وابن يعمر: ["يا مال"] بغير كاف مع كسر اللام . قال الزجاج : وهذا يسميه النحويون: [الترخيم]، ولكني أكرهها لمخالفة المصحف .

قال المفسرون: يدعون مالكا خازن النار فيقولون: ليقض علينا ربك [ ص: 330 ] [أي]: ليمتنا; والمعنى: أنهم توسلوا به ليسأل الله تعالى لهم الموت فيستريحوا من العذاب; فيسكت عن جوابهم مدة، فيها أربعة أقوال . أحدها: أربعون عاما، قاله عبد الله بن عمرو، ومقاتل . والثاني: ثلاثون سنة، قاله أنس . والثالث: ألف سنة، قاله ابن عباس . والرابع: مائة سنة، قاله كعب .

وفي سكوته عن جوابهم هذه المدة قولان . أحدهما: أنه سكت حتى أوحى الله إليه أن أجبهم، قاله مقاتل . والثاني: لأن بعد ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذل .

قال الماوردي: فرد عليهم مالك فقال: إنكم ماكثون أي: مقيمون في العذاب .

لقد جئناكم بالحق أي: أرسلنا رسلنا بالتوحيد ولكن أكثركم قال ابن عباس: يريد: كلكم كارهون لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: أم أبرموا أمرا في "أم" قولان . أحدهما: أنها للاستفهام . والثاني: بمعنى "بل" . والإبرام: الإحكام . وفي هذا الأمر ثلاثة أقوال .

أحدها: المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يخرجوه حين اجتمعوا في دار الندوة; وقد سبق بيان القصة [الأنفال: 30]، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه إحكام أمرهم في تكذيبهم، قاله قتادة .

والثالث: أنه: إبرام أمرهم ينجيهم من العذاب، قاله الفراء .

[ ص: 331 ] فإنا مبرمون أي: محكمون أمرا في مجازاتهم .

أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم وهو ما يسرونه من غيرهم ونجواهم ما يتناجون به بينهم بلى والمعنى: إنا نسمع ذلك ورسلنا يعني [من] الحفظة لديهم يكتبون .

قل إن كان للرحمن ولد في "إن" قولان .

أحدهما: أنها بمعنى الشرط; والمعنى: إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم، فعلى هذا في قوله: فأنا أول العابدين أربعة أقوال .

أحدها: فأنا أول الجاحدين، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وفي رواية أخرى عن ابن عباس: أن أعرابيين اختصما إليه، فقال أحدهما: إن هذا كانت لي في يده أرض، فعبدنيها، فقال ابن عباس: الله أكبر، فأنا أول العابدين الجاحدين أن لله ولدا .

والثاني: فأنا أول من عبد الله مخالفا لقولكم، هذا قول مجاهد وقال الزجاج : معناه: إن كنتم تزعمون للرحمن ولدا، فأنا أول الموحدين .

والثالث: فأنا أول الآنفين لله مما قلتم، قاله ابن السائب، وأبو عبيدة . قال ابن قتيبة : يقال: عبدت من كذا، أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد، قال الفرزدق:

[ ص: 332 ]

[أولئك قوم إن هجوني هجوتهم] وأعبد أن تهجى تميم بدارم



أي: آنف . وأنشد أبو عبيدة:


وأعبد أن أسبهم بقومي     وأوثر دارما وبني رزاح



والرابع: أن معنى الآية: كما أني لست أول عابد لله، فكذلك ليس له ولد; وهذا كما تقول: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، أي: لست كاتبا ولا أنا حاسب; حكى هذا القول الواحدي عن سفيان بن عيينة .

والقول الثاني: أن "إن" بمعنى "ما"، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد; فيكون المعنى: ما كان للرحمن [ولد]، فأنا أول من عبد الله على يقين أنه لا ولد له . وقال أبو عبيدة: الفاء على [هذا القول] بمعنى الواو .

قوله تعالى: فذرهم يعني كفار مكة يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن محيصن، وأبو جعفر: "حتى يلقوا" بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف . والمراد: يلاقوا [يوم] القيامة وهذه الآية [عند الجمهور] منسوخة بآية السيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية