صفحة جزء
إن شجرت الزقوم طعام الأثيم . كالمهل يغلي في البطون . كغلي الحميم . خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم . ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم . ذق إنك أنت العزيز الكريم . إن هذا ما كنتم به تمترون . إن المتقين في مقام أمين . في جنات وعيون . يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين . كذلك وزوجناهم بحور عين . يدعون فيها بكل فاكهة آمنين . لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم . فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم . فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون . فارتقب إنهم مرتقبون .

إن شجرت الزقوم قد ذكرناها في [الصافات: 62] . و "الأثيم": الفاجر; وقال مقاتل: هو أبو جهل . وقد ذكرنا معنى "المهل" في [الكهف: 29] .

قوله تعالى: يغلي في البطون قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "يغلي" بالياء; والباقون: بالتاء . فمن قرأ ["تغلي"] بالتاء، فلتأنيث الشجرة; ومن قرأ بالياء، حمله على الطعام قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز أن يحمل الغلي على المهل . لأن المهل ذكر للتشبيه في الذوب، وإنما يغلي ما شبه به كغلي الحميم وهو الماء الحار إذا اشتد غليانه .

[ ص: 350 ] قوله تعالى: خذوه أي: يقال للزبانية: خذوه فاعتلوه وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب: بضم التاء; وكسرها الباقون; قال ابن قتيبة : ومعناه: قودوه بالعنف، يقال: جيء بفلان يعتل إلى السلطان، و "سواء الجحيم": وسط النار . قال مقاتل: الآيات في أبي جهل يضربه الملك من خزان جهنم على رأسه بمقمعة من حديد فتنقب عن دماغه، فيجري دماغه على جسده، ثم يصب الملك في النقب ماء حميما قد انتهى حره، فيقع في بطنه، ثم يقول [له] الملك: ذق العذاب إنك أنت العزيز الكريم هذا توبيخ له بذلك; وكان أبو جهل يقول: أنا أعز قريش وأكرمها . وقرأ الكسائي: "ذق أنك" بفتح الهمزة; والباقون: بكسرها . قال أبو علي: من كسرها، فالمعنى: أنت العزيز في زعمك، ومن فتح، فالمعنى: بأنك .

فإن قيل: كيف سمي بالعزيز وليس به؟!

فالجواب من ثلاثة أوجه .

أحدها: أنه قيل ذلك استهزاء به، قاله سعيد بن جبير، ومقاتل .

والثاني: أنت العزيز [الكريم] عند نفسك، قاله قتادة .

والثالث: أنت العزيز في قومك، الكريم على أهلك، حكاه الماوردي .

ويقول الخزان لأهل النار: إن هذا ما كنتم به تمترون أي: تشكون في كونه .

ثم ذكر مستقر المتقين فقال: إن المتقين في مقام أمين قرأ نافع، وابن عامر: "في مقام" بضم الميم; والباقون: بفتحها . قال الفراء: المقام، بفتح الميم: المكان، وبضمها: الإقامة .

قوله تعالى: أمين أي: أمنوا فيه الغير والحوادث . وقد ذكرنا [ ص: 351 ] "الجنات" في [البقرة: 25] و[ذكرنا] معنى "العيون" ومعنى "متقابلين" في [الحجر: 45، 47] وذكرنا "السندس والإستبرق" في [الكهف: 31] .

قوله تعالى: كذلك أي: الأمر كما وصفنا وزوجناهم بحور عين قال المفسرون: المعنى: قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج . قال أبو عبيدة: المعنى: جعلنا ذكور أهل الجنة أزواجا بحور عين من النساء، تقول للرجل: زوج هذه النعل الفرد بالنعل الفرد، أي: اجعلهما زوجا، والمعنى: جعلناهم اثنين اثنين . وقال يونس: العرب لا تقول: تزوج بها، إنما يقولون: تزوجها . ومعنى "وزوجناهم بحور عين": قرناهم . وقال ابن قتيبة : يقال: زوجته امرأة، وزوجته بامرأة . وقال أبو علي الفارسي: والتنزيل على ما قال يونس، وهو قوله تعالى: زوجناكها [الأحزاب: 37]، وما قال: زوجناك بها .

فأما الحور، فقال مجاهد: الحور: النساء النقيات البياض . وقال الفراء: الحوراء: البيضاء من الإبل; قال: وفي "الحور العين" لغتان: حور عين، وحير عين، وأنشد:


أزمان عيناء سرور المسير وحوراء عيناء من العين الحير



وقال أبو عبيدة: الحوراء: الشديدة بياض بياض العين، الشديدة سواد سوادها . وقد بينا معنى "العين" في [الصافات: 48] .

قوله تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فيه قولان . أحدهما: آمنين من انقطاعها في بعض الأزمنة . والثاني: آمنين من التخم والأسقام والآفات .

قوله تعالى: إلا الموتة الأولى فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى "سوى"، فتقدير الكلام: لا يذوقون في الجنة الموت [ ص: 352 ] سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا; ومثله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء: 22]، وقوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [هود: 107] أي: سوى ما شاء لهم ربك من الزيادة على مقدار الدنيا، هذا قول الفراء، والزجاج .

والثاني: أن السعداء حين يموتون يصيرون إلى الروح والريحان وأسباب من الجنة يرون منازلهم منها، وإذا ماتوا في الدنيا، فكأنهم ماتوا في الجنة، لاتصالهم بأسبابها، ومشاهدتهم إياها، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أن "إلا" بمعنى "بعد"، كما ذكرنا في أحد الوجوه في قوله: إلا ما قد سلف [النساء: 22]، وهذا قول ابن جرير .

قوله تعالى: فضلا من ربك أي: فعل الله ذلك بهم فضلا منه .

فإنما يسرناه أي: سهلناه، والكناية عن القرآن بلسانك أي: بلغة العرب لعلهم يتذكرون أي: لكي يتعظوا فيؤمنوا، فارتقب [ ص: 353 ] أي: انتظر بهم العذاب إنهم مرتقبون هلاكك; وهذه عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية