صفحة جزء
[ ص: 362 ] أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون . وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون . وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون . وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون . هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون . فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين . وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين .

قوله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قد شرحناه في [الفرقان: 43] . وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي .

قوله تعالى: وأضله الله على علم أي: على علمه السابق فيه أنه [ ص: 363 ] لا يهتدي وختم على سمعه أي: طبع عليه فلم يسمع الهدى "و" على " قلبه " فلم يعقل الهدى . وقد ذكرنا الغشاوة والختم في [البقرة: 7] .

فمن يهديه من بعد الله؟! أي: من بعد إضلاله إياه أفلا تذكرون فتعرفوا قدرته على ما يشاء؟! . وما بعد [هذا] مفسر في سورة [المؤمنون: 37] إلى قوله: وما يهلكنا إلا الدهر أي: اختلاف الليل والنهار وما لهم بذلك من علم أي: ما قالوه عن علم، إنما قالوه شاكين فيه . ومن أجل هذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"، أي: هو الذي يهلككم، لا ما تتوهمونه من مرور الزمان . وما بعد هذا ظاهر، وقد تقدم بيانه [البقرة: 28، الشورى: 7] إلى قوله: يخسر المبطلون يعني المكذبين الكافرين أصحاب الأباطيل; [ ص: 364 ] والمعنى: يظهر خسرانهم يومئذ . وترى كل أمة قال الفراء: ترى أهل كل دين جاثية قال الزجاج : أي: جالسة على الركب، يقال: قد جثا فلان جثوا: إذا جلس على ركبتيه، ومثله: جذا يجذو . والجذو أشد استيفازا من الجثو، لأن الجذو: أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه . قال ابن قتيبة : والمعنى أنها غير مطمئنة .

قوله تعالى: كل أمة تدعى إلى كتابها فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيئاتها، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنه حسابها، قاله الشعبي، والفراء، وابن قتيبة .

والثالث: كتابها الذي أنزل على رسوله، حكاه الماوردي .

ويقال لهم: اليوم تجزون ما كنتم تعملون .

هذا كتابنا وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحفظة، قاله ابن السائب . والثاني: اللوح المحفوظ، قاله مقاتل . والثالث: القرآن، والمعنى أنهم يقرؤونه فيدلهم ويذكرهم، فكأنه ينطق عليهم، قاله ابن قتيبة .

[ ص: 365 ] قوله تعالى: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي: بكتبها وإثباتها . وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ، من اللوح المحفوظ، تستنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقا ما يعملونه . قالوا: والاستنساخ لا يكون إلا من أصل . قال الفراء: يرفع الملكان العمل كله، فيثبت الله منه ما فيه ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو . وقال الزجاج : نستنسخ ما تكتبه الحفظة، ويثبت عند الله عز وجل .

قوله تعالى: في رحمته قال مقاتل: في جنته .

قوله تعالى: أفلم تكن آياتي فيه إضمار، تقديره: فيقال لهم ألم تكن آياتي، يعني آيات القرآن تتلى عليكم فاستكبرتم عن الإيمان بها وكنتم قوما مجرمين ؟! قال ابن عباس: كافرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية