صفحة جزء
[ ص: 105 ] سورة الرحمن

وفي نزولها قولان .

أحدهما: أنها مكية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، ومقاتل، والجمهور، إلا أن ابن عباس قال: سوى آية: وهي قوله: يسأله من في السماوات والأرض [الرحمن: 29] .

والثاني: أنها مدنية، رواه عطية عن ابن عباس . وبه قال ابن مسعود .

بسم الله الرحمن الرحيم

الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان

قوله تعالى: الرحمن . علم القرآن قال مقاتل: لما نزل قوله: اسجدوا للرحمن [الفرقان: 60] قال كفار مكة: وما الرحمن؟! فأنكروه وقالوا: لا نعرف الرحمن، فقال تعالى: "الرحمن" الذي أنكروه هو الذي "علم القرآن" . [ ص: 106 ] وفي قوله: علم القرآن قولان . أحدهما: علمه محمدا، وعلم محمد أمته، قاله ابن السائب . والثاني: يسر القرآن، قاله الزجاج .

قوله تعالى: خلق الإنسان فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه اسم جنس، فالمعنى: خلق الناس جميعا، قاله الأكثرون . فعلى هذا، في "البيان" ستة أقوال . أحدها: النطق والتمييز، قاله الحسن . والثاني: الحلال والحرام، قاله قتادة . والثالث: ما يقول وما يقال له، قاله محمد بن كعب . والرابع: الخير والشر، قاله الضحاك . والخامس: [طرق] الهدى، قاله ابن جريج . والسادس: الكتابة والخط، قاله يمان .

والثاني: أنه آدم، قاله ابن عباس، وقتادة . فعلى هذا في "البيان" ثلاثة أقوال . أحدها: أسماء كل شيء . والثاني: بيان كل شيء . والثالث اللغات .

والقول الثالث: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، علمه بيان ما كان وما يكون، قاله ابن كيسان . قوله تعالى: الشمس والقمر بحسبان أي: بحساب ومنازل، لا يعدوانها; وقد كشفنا هذا المعنى في [الأنعام: 96] . قال الأخفش: أضمر الخبر، وأظنه- والله أعلم- أراد: يجريان بحسبان [ ص: 107 ] قوله تعالى: والنجم والشجر يسجدان في النجم قولان . أحدهما: أنه كل نبت ليس له ساق، وهو مذهب ابن عباس، والسدي، ومقاتل، واللغويين . والثاني: أنه نجم السماء، والمراد به: جميع النجوم، قاله مجاهد . فأما الشجر: فكل ما له ساق . قال الفراء: سجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذ أشرقت، ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء . وقد أشرت في [النحل: 49] إلى معنى سجود ما لا يعقل . قال أبو عبيدة: وإنما ثني فعلهما على لفظهما .

قوله تعالى: والسماء رفعها وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتد الأنفاس، وأجرى الريح بينها وبين الأرض، كيما يتروح [الخلق] . ولولا ذلك لماتت الخلائق كربا .

قوله تعالى: ووضع الميزان فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه العدل، قاله الأكثرون، منهم مجاهد والسدي واللغويون . قال الزجاج: وهذا لأن المعادلة: موازنة الأشياء . والثاني: أنه الميزان المعروف، ليتناصف الناس في الحقوق، قاله الحسن، وقتادة، والضحاك . والثالث: أنه القرآن، قاله الحسين بن الفضل .

قوله تعالى: ألا تطغوا ذكر الزجاج في "أن" وجهين . أحدهما: أنها بمعنى اللام; والمعنى: لئلا تطغوا . والثاني: أنها للتفسير، فتكون "لا" للنهي; والمعنى: أي: لا تطغوا، أي لا تجاوزوا العدل . قوله تعالى: ولا تخسروا الميزان قال ابن قتيبة، أي: لا تنقصوا الوزن .

فأما الأنام، ففيهم ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم الناس، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: كل ذي روح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال [ ص: 108 ] مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والفراء . والثالث: الإنس والجن، قاله الحسن، والزجاج .

قوله تعالى: فيها فاكهة أي، ما يتفكه [به] من ألوان الثمار "والنخل ذات الأكمام" والأكمام: الأوعية والغلف; وقد استوفينا شرح هذا في [حم السجدة: 47] .

قوله تعالى: والحب يريد: جميع الحبوب، كالبر والشعير وغير ذلك . وقرأ ابن عامر: "والحب" بنصب الباء "ذا العصف" بالألف "والريحان" بنصب النون . وقرأ حمزة، والكسائي إلا ابن أبي سريج، وخلف: "والحب ذو العصف والريحان" بخفض النون; وقرأ الباقون بضم النون .

وفي "العصف" قولان . أحدهما: أنه تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح، قاله ابن عباس . وكذلك قال مجاهد: هو ورق الزرع . قال ابن قتيبة: العصف: ورق الزرع، ثم يصير إذا جف ويبس وديس تبنا . والثاني: أن العصف: المأكول من الحب، حكاه الفراء .

وفي "الريحان" أربعة أقوال .

أحدها: أنه الرزق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير: والسدي . قال الفراء: الريحان في كلام العرب: الرزق، تقول: خرجنا نطلب ريحان الله، وأنشد الزجاج للنمر بن تولب:


سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر



[ ص: 109 ] والثاني: أنه خضرة الزرع، رواه الوالبي عن ابن عباس . قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا، سمي ريحانا، لاستراحة النفس بالنظر إليه .

والثالث: أنه ريحانكم هذا الذي يشم، روى العوفي عن ابن عباس قال: "الريحان" ما أنبتت الأرض من الريحان، وهذا مذهب الحسن، والضحاك، وابن زيد .

والرابع: أنه ما [لم] يؤكل من الحب، والعصف: المأكول منه، حكاه الفراء .

قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفراء . أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بينا في قوله: ألقيا في جهنم [ق: 24] والثاني: أن الذكر أريد به: الإنسان والجان، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها . قال الزجاج: لما ذكر الله تعالى في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي: فبأي نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلها منعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم . وقال ابن قتيبة: الآلاء: النعم، واحدها: ألا، مثل: قفا، وإلا، مثل: معى .

التالي السابق


الخدمات العلمية