صفحة جزء
[ ص: 279 ] سورة التغابن

وفيها قولان .

أحدهما: أنها مدنية، قاله الجمهور، منهم ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة .

والثاني: أنها مكية، قاله الضحاك . وقال عطاء بن يسار: هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم واللتان بعدها .

بسم الله الرحمن الرحيم

يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد

وقد سبق تفسير فاتحتها إلى قوله تعالى: فمنكم كافر ومنكم مؤمن وفيه قولان .

أحدهما: أن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، رواه الوالبي عن ابن عباس .

[ ص: 280 ] والأحاديث تعضد هذا القول،كقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق فرعون في بطن أمه كافرا، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا"، وقوله: "فيؤمر الملك بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد .

والثاني: أن تمام الكلام عند قوله تعالى: خلقكم ثم وصفهم، فقال تعالى: فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال .

أحدها: فمنكم كافر يؤمن، ومنكم مؤمن يكفر، قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثاني: فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة، قاله أبو سعيد الخدري .

والثالث: فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر [ ص: 281 ] بالكواكب، قاله عطاء بن أبي رباح، وعنى بذلك شأن الأنواء .

والرابع: فمنكم كافر بالله خلقه، ومؤمن بالله خلقه، حكاه الزجاج . والكفر بالخلق مذهب الدهرية، وأهل الطبائع . وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى: وصوركم فأحسن صوركم قال الزجاج: أي: خلقكم أحسن الحيوان كله . وقرأ الأعمش (صوركم) بكسر الصاد . ويقال في جمع صورة: صور، وصور، كما يقال في جمع لحية: لحى، ولحى . وذكر ابن السائب أن معنى فأحسن صوركم أحكمها . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: ويعلم ما تسرون وروى المفضل عن عاصم ( يسرون ) و ( يعلنون ) بالياء فيهما ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفار قبلهم، فذلك قوله تعالى: فذاقوا وبال أمرهم أي: جزاء أعمالهم، وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا ولهم عذاب أليم في الآخرة "ذلك" الذي أصابهم بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فينكرون ذلك، ويقولون: أبشر أي: ناس مثلنا يهدوننا؟! والبشر اسم جنس معناه الجمع، وإن كان لفظه واحدا فكفروا وتولوا أي: أعرضوا عن الإيمان واستغنى الله عن إيمانهم وعبادتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية