صفحة جزء
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم معناه: ألم تعلم قال ابن قتيبة: وهذا على جهة التعجب ، كما تقول: ألا ترى إلى ما يصنع فلان؟ .

[ ص: 288 ] قوله تعالى: وهم ألوف فيه قولان . أحدهما: أن معناه: وهم مؤتلفون ، قاله ابن زيد . والثاني: أنه من العدد ، وعليه العلماء واختلفوا في عددهم على سبعة أقوال . أحدها: أنهم كانوا أربعة آلاف . والثاني: أربعين ألفا ، والقولان عن ابن عباس . والثالث: تسعين ألفا ، قاله عطاء بن أبي رباح . والرابع: سبعة آلاف ، قاله أبو صالح . والخامس: ثلاثين ألفا ، قاله أبو مالك . والسادس: بضعة وثلاثين ألفا ، قاله السدي . والسابع: ثمانية آلاف ، قاله مقاتل . وفي معنى: حذرهم من الموت ، قولان . أحدهما: أنهم فروا من الطاعون ، وكان قد نزل بهم ، قاله الحسن ، والسدي . والثاني: أنهم أمروا بالجهاد ، ففروا منه ، قاله عكرمة ، والضحاك ، وعن ابن عباس ، كالقولين .

الإشارة إلى قصتهم .

روى حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: كانت أمة من بني إسرائيل إذا وقع فيهم الوجع ، خرج أغنياؤهم ، وأقام فقراؤهم ، فمات الذين أقاموا ، ونجا الذين خرجوا ، فقال الأشراف: لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا ، وقال الفقراء: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء سلمنا ، فأجمع رأيهم في بعض السنين على أن يظعنوا جميعا ، فظعنوا فماتوا ، وصاروا عظاما تبرق ، فكنسهم أهل البيوت والطرق عن بيوتهم وطرقهم ، فمر بهم نبي من الأنبياء ، فقال: يا رب لو شئت أحييتهم ، فعبدوك ، وولدوا أولادا يعبدونك ، ويعمرون بلادك . [قال: أوأحب إليك أن أفعل؟ قال: نعم ] فقيل له: تكلم بكذا وكذا ، فتكلم به ، فنظر إلى العظام تخرج من عند العظام التي ليست منها إلى التي هي منها ، ثم قيل له تكلم بكذا وكذا ، فتكلم به ، فنظر إلى العظام تكسى لحما وعصبا ، ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا ، فنظر فإذا هم قعود يسبحون الله ويقدسونه . وأنزل الله فيهم هذه الآية . وهذا الحديث يدل على بعد المدة التي مكثوا فيها أمواتا . وفي بعض الأحاديث: أنهم بقوا أمواتا سبعة أيام ، وقيل: ثمانية أيام . [ ص: 289 ] وفي النبي الذي دعا لهم قولان . أحدهما: أنه حزقيل ، والثاني: أنه شمعون . فإن قيل كيف أميت هؤلاء مرتين وقد قال الله تعالى: إلا الموتة الأولى [ الدخان: 56 ] : فالجواب أن موتهم بالعقوبة لم يفن أعمارهم ، فكان كقوله تعالى: والتي لم تمت في منامها [ الزمر: 42 ] وقيل: كان إحياؤهم آية من آيات نبيهم ، وآيات الأنبياء نوادر لا يقاس عليها ، فيكون تقدير قوله تعالى: إلا الموتة الأولى التي ليست من آيات الأنبياء ، ولا لأمر نادر . وفي هذه القصة احتجاج على اليهود إذ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر لم يشاهدوه ، وهم يعلمون صحته واحتجاج على المنكرين للبعث ، فدلهم عليه بإحياء الموتى في الدنيا ، ذكر ذلك جميعه ابن الأنباري .

قوله تعالى: إن الله لذو فضل على الناس نبه عز وجل بذكر فضله على هؤلاء على فضله على سائر خلقه مع قلة شكرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية