صفحة جزء
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم .

قوله تعالى: (لن تنالوا البر) في البر أربعة أقوال . أحدها: أنه الجنة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي في آخرين . قال ابن جرير: فيكون المعنى: لن تنالوا بر الله بكم الذي تطلبونه بطاعتكم . والثاني: التقوى ، قاله عطاء ، ومقاتل . والثالث: الطاعة ، قاله عطية . والرابع: الخير الذي يستحق به الأجر ، قاله أبو روق . قال القاضي أبو يعلى: لم يرد نفي الأصل ، وإنما نفي وجود الكمال ، فكأنه قال: لن تنالوا البر الكامل .

قوله تعالى: (حتى تنفقوا مما تحبون) فيه قولان . أحدهما: أنه نفقة العبد من ماله ، وهو صحيح شحيح ، رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنه الإنفاق من محبوب [ ص: 421 ] المال ، قاله قتادة ، والضحاك . وفي المراد بهذه النفقة ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الصدقة المفروضة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والضحاك . والثاني: أنها جميع الصدقات ، قاله ابن عمر . والثالث: أنها جميع النفقات التي يبتغى بها وجه الله تعالى ، سواء كانت صدقة ، أو لم تكن ، نقل عن الحسن ، واختاره القاضي أبو يعلى وروى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . قال أنس: فلما نزلت: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله إن الله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء . وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها حيث أراك الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح [شك الراوي ] وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه . وروي عن عبد الله بن عمر أنه قرأ هذه الآية فقال: لا أجد شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة ، فهي حرة لوجه الله ، ثم قال: [ ص: 422 ] لولا أني أعود في شيء جعلته لله ، لنكحتها ، فأنكحها نافعا ، فهي أم ولده . وسئل أبو ذر: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة: عماد الإسلام ، والجهاد: سنام العمل ، والصدقة: شيء عجب . ثم قال السائل: يا أبا ذر لقد تركت شيئا هو أوثق عمل في نفسي لا أراك ذكرته قال: ما هو؟ قال: الصيام . فقال: قربة وليس هناك ، وتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قال الزجاج: ومعنى قوله تعالى: (فإن الله به عليم) أي: يجازي عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية