صفحة جزء
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل [ ص: 512 ] هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير .

قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله) اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ، وابن عباس في رواية أبي صالح ، والشعبي ، ومجاهد وفي رواية السدي في آخرين .

والثاني: أنها في الأحبار الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونبوته ، رواه عطية عن ابن عباس ، وابن جريج عن مجاهد ، واختاره الزجاج .

قال الفراء: ومعنى الكلام: لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم ، فاكتفى بذكر "يبخلون" من البخل ، كما تقول: قدم فلان ، فسررت به ، أي: سررت بقدومه .

قال الشاعر:


إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف



يريد: جرى إلى السفه . والذي آتاهم الله على قول من قال: البخل بالزكاة: هو المال ، وعلى قول من قال: البخل بذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم هو العلم .

[ ص: 513 ] قوله تعالى: (هو) إشارة إلى البخل وليس مذكورا ، ولكنه مدلول عليه بـ"يبخلون" وفي معنى تطويقهم به أربعة أقوال .

أحدها: أنه يجعل كالحية يطوق بها الإنسان ، روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه ، وهو يتبعه حتى يطوق في عنقه" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة)" . وهذا مذهب ابن مسعود ، ومقاتل .

والثاني: أنه يجعل طوقا من نار ، رواه منصور عن مجاهد ، وإبراهيم .

والثالث: أن معنى تطويقهم به: تكليفهم أن يأتوا به ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .

والرابع: أن معناه: يلزم أعناقهم إثمه ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض) قال ابن عباس: يموت أهل السماوات وأهل الأرض ، ويبقى رب العالمين . قال الزجاج: خوطب القوم بما يعقلون ، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له ، وقال ابن الأنباري: معنى الميراث: [ ص: 514 ] انفراد الرجل بما كان لا ينفرد به ، فلما مات الخلق ، وانفرد عز وجل ، صار ذلك له وراثة .

قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "يعملون" بالياء إتباعا لقوله تعالى: (سيطوقون) وقرأ الباقون بالتاء ، لأن قبله (وإن تؤمنوا وتتقوا) .

التالي السابق


الخدمات العلمية