صفحة جزء
لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم .

قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) وقرأ أهل الكوفة: لا تحسبن بالتاء . وفي سبب نزولها ثمانية أقوال .

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سأل اليهود عن شيء ، فكتموه ، وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم قد أخبروه به ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، فنزلت هذه الآية .

[ ص: 523 ] . والثاني: أنها نزلت في قوم من اليهود ، فرحوا بما يصيبون من الدنيا ، وأحبوا أن يقول الناس: إنهم علماء ، وهذا القول ، والذي قبله عن ابن عباس .

والثالث: أن اليهود قالوا: نحن على دين إبراهيم ، وكتموا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير .

والرابع: أن يهود المدينة كتبت إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: أن محمدا ليس بنبي ، فاثبتوا على دينكم ، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به ، ففرحوا بذلك ، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ، وأولياء الله ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الضحاك ، والسدي .

والخامس: أن يهود خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقالوا: نحن على رأيكم ، ونحن لكم ردء ، وهم مستمسكون بضلالتهم ، فأرادوا أن يحمدهم نبي لله بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

والسادس: أن ناسا من اليهود جهزوا جيشا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا عليهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله إبراهيم النخعي .

والسابع أن قوما من أهل الكتاب دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجوا من عنده فذكروا للمسلمين أنهم قد أخبروا بأشياء قد عرفوها ، فحمدوهم ، وأبطنوا خلاف ما أظهروا ، فنزلت هذه الآية ، ذكره الزجاج .

والثامن: أن رجالا من المنافقين كانوا يتخلفون عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم ، اعتذروا إليه ، وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله [ ص: 524 ] أبو سعيد الخدري ، وهذا القول يدل على أنها نزلت في المنافقين ، وما قبله من الأقوال يدل على أنها في اليهود .

وفي الذي أتوا ثمانية أقوال .

أحدها: أنه كتمانهم ما عرفوا من الحق .

والثاني: تبديلهم التوراة . والثالث: إيثارهم الفاني من الدنيا على الثواب .

والرابع: إضلالهم الناس . والخامس: اجتماعهم على تكذيب النبي .

والسادس: نفاقهم بإظهار ما في قلوبهم ضده .

والسابع: اتفاقهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه أقوال من قال: هم اليهود .

والثامن: تخلفهم في الغزوات ، وهذا قول من قال: هم المنافقون .

وفي قوله تعالى: (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) ستة أقوال .

[ ص: 525 ] أحدها: أحبوا أن يحمدوا على إجابة النبي صلى الله عليه وسلم ، عن شيء سألهم عنه وما أجابوه .

والثاني: أحبوا أن يقول الناس: هم علماء ، وليسوا كذلك .

والثالث: أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الصلاة ، والصيام ، وهذه الأقوال الثلاثة عن ابن عباس .

والرابع: أحبوا أن يحمدوا على قولهم: نحن على دين إبراهيم ، وليسوا عليه ، قاله سعيد بن جبير .

والخامس: أحبوا أن يحمدوا على قولهم: إنا راضون بما جاء به النبي ، وليسوا كذلك ، قاله قتادة . وهذه أقوال من قال: هم اليهود .

والسادس: أنهم كانوا يحلفون للمسلمين ، إذا نصروا: إنا قد سررنا بنصركم ، وليسوا كذلك ، قاله أبو سعيد الخدري ، وهو قول من قال: هم المنافقون .

قوله تعالى: (فلا يحسبنهم) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "فلا يحسبنهم" ، بالياء وضم الباء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: بالتاء ، وفتح الباء . قال الزجاج: إنما كررت "تحسبنهم" لطول القصة ، والعرب تعيد إذا طالت القصة "حسبت" وما أشبهها ، إعلاما أن الذي يجرى متصل بالأول ، وتوكيدا له ، فتقول: لا تظنن زيدا إذا جاء وكلمك بكذا وكذا ، فلا تظننه صادقا .

قوله تعالى: (بمفازة) قال ابن زيد ، وابن قتيبة: بمنجاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية