صفحة جزء
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا

[ ص: 99 ] قوله تعالى: من الذين هادوا قال مقاتل: نزلت في رفاعة بن زيد ، ومالك ابن الضيف ، وكعب بن أسيد ، وكلهم يهود . وفي "من" قولان ذكرهما الزجاج .

أحدهما: أنها من صلة الذين أوتوا الكتاب ، فيكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا .

والثاني: أنها مستأنفة ، فالمعنى: من الذين هادوا قوم يحرفون ، فيكون قوله: يحرفون ، صفة ، ويكون الموصوف محذوفا ، وأنشد سيبويه:


وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح



والمعنى: فمنهما تارة أموت فيها ، قال أبو علي الفارسي: والمعنى: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ، أي: إن الله ينصر عليهم .

فأما "التحريف" ، فهو التغيير . و"الكلم": جمع كلمة . وقيل: إن "الكلام" مأخوذ من "الكلم" ، وهو الجرح الذي يشق الجلد واللحم ، فسمي الكلام كلاما ، لأنه يشق الأسماع بوصوله إليها ، وقيل: بل لتشقيقه المعاني المطلوبة في أنواع الخطاب .

وفي معنى تحريفهم الكلم قولان . أحدهما: أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء ، فإذا خرجوا ، حرفوا كلامه ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه تبديلهم التوراة قاله مجاهد . [ ص: 100 ] قوله تعالى: عن مواضعه أي: عن أماكنه ووجوهه .

قوله تعالى: ويقولون سمعنا وعصينا قال مجاهد: سمعنا قولك ، وعصينا أمرك .

قوله تعالى: واسمع غير مسمع فيه قولان .

أحدهما: أن معناه: اسمع لا سمعت ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، وابن قتيبة .

والثاني: أن معناه: اسمع غير مقبول ما تقول ، قاله الحسن ، ومجاهد . وقد تقدم في (البقرة) معنى: وراعنا .

قوله تعالى: ليا بألسنتهم قال قتادة: "اللي": تحريك ألسنتهم بذلك .

وقال ابن قتيبة: معنى "ليا بألسنتهم": أنهم يحرفون "راعنا" عن طريق المراعاة ، والانتظار إلى السب بالرعونة . قال ابن عباس : لكان خيرا لهم مما بدلوا ، و(أقوم) أي: أعدل ، ولكن لعنهم الله بكفرهم بمحمد .

قوله تعالى: فلا يؤمنون إلا قليلا فيه قولان . أحدهما: فلا يؤمن منهم الا قليل ، وهم عبد الله بن سلام ، ومن تبعه ، قاله ابن عباس .

[ ص: 101 ] والثاني: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، قاله قتادة ، والزجاج . قال مقاتل: وهو اعتقادهم أن الله خلقهم ورزقهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية