صفحة جزء
إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا

قوله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن أناسا كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر لم تدع قريش أحدا إلا أخرجوه معهم ، فقتل أولئك الذين أقروا بالإسلام ، فنزلت فيهم هذه الآية ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس . وقال قتادة: نزلت في أناس تكلموا بالإسلام ، فخرجوا مع أبي جهل ، فقتلوا يوم بدر ، واعتذروا بغير عذر ، فأبى الله أن يقبل منهم .

[ ص: 177 ] والثاني: أن قوما نافقوا يوم بدر ، وارتابوا ، وقالوا: غر هؤلاء دينهم وأقاموا مع المشركين حتى قتلوا ، فنزلت فيهم هذه الآية . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

والثالث: أنها نزلت في قوم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يخرجوا معه ، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي ، ضربت الملائكة وجهه ودبره ، رواه العوفي عن ابن عباس . وفي "التوفي" قولان .

أحدهما: أنه قبض الأرواح بالموت ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: الحشر إلى النار ، قاله الحسن . قال مقاتل: والمراد بالملائكة: ملك الموت وحده .

وقال في موضع آخر: ملك الموت وأعوانه ، وهم ستة ، ثلاثة يلون أرواح المؤمنين ، وثلاثة يلون أرواح الكفار . قال الزجاج : "ظالمي أنفسهم" نصب على الحال ، [ ص: 178 ] والمعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم ، والأصل ظالمين ، لأن النون حذفت استخفافا . فأما ظلمهم لأنفسهم ، فيحتمل على ما ذكر في قصتهم أربعة أقوال .

أحدها: أنه ترك الهجرة . والثاني: رجوعهم إلى الكفر . والثالث: الشك بعد اليقين . والرابع: إعانة المشركين .

قوله تعالى: فيم كنتم قال الزجاج : هو سؤال توبيخ ، والمعنى: كنتم في المشركين أو في المسلمين .

قوله تعالى: قالوا كنا مستضعفين في الأرض قال مقاتل: كنا مقهورين في أرض مكة ، لا نستطيع أن نذكر الإيمان ، قالت الملائكة: "ألم تكن أرض الله واسعة" يعني المدينة (فتهاجروا فيها) يعني: إليها . وقول الملائكة لهم يدل على أنهم كانوا يستطيعون الهجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية