صفحة جزء
إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا

قوله تعالى: إن يدعون من دونه إلا إناثا "إن" بمعنى: "ما" و "يدعون" بمعنى: يعبدون . و "الهاء" في "دونه" ترجع إلى الله عز وجل . والقراءة المشهورة إناثا . وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبو مجلز ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء: إلا وثنا ، بفتح الواو ، والثاء من غير ألف . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين: أنثا ، برفع الهمزة والنون من غير ألف . وقرأ أبو العالية ، ومعاذ القارئ ، وأبو نهيك: أناثا ، برفع الهمزة وبألف بعد الثاء . وقرأ أبو السوار العدوي ، وأبو شيخ الهنائي: أوثانا ، بهمزة مفتوحة بعدها واو وبألف بعد الثاء . وقرأ أبو هريرة ، والحسن ، والجوني: إلا أنثى ، على وزن "فعلى" وقرأ أيوب السختياني: إلا وثنا ، برفع الواو والثاء من غير ألف . وقرأ مورق العجلي: أثنا ، برفع الهمزة والثاء من غير ألف . قال الزجاج : فمن قال: إناثا ، فهو جمع أنثى وإناث ، ومن قال: أنثا ، فهو جمع إناث ، ومن قال: أثنا ، فهو جمع وثن ، والأصل: وثن ، إلا أن الواو إذا انضمت جاز إبدالها همزة ، كقوله تعالى: وإذا الرسل أقتت [المرسلات: 11] .

[ ص: 203 ] الأصل: وقتت . وجائز أن يكون أثن أصلها أثن ، فأتبعت الضمة الضمة ، وجائز أن يكون أثن ، مثل أسد وأسد .

فأما المفسرون ، فلهم في معنى الإناث أربعة أقوال .

أحدها: أن الإناث بمعنى الأموات ، قاله ابن عباس ، والحسن في رواية ، وقتادة . قال الحسن: كل شيء لا روح فيه ، كالحجر ، والخشبة ، فهو إناث . قال الزجاج : والموات كلها يخبر عنها ، كما يخبر عن المؤنث ، تقول من ذلك: الأحجار تعجبني ، والدراهم تنفعني .

والثاني: أن الإناث: الأوثان ، وهو قول عائشة ، ومجاهد .

والثالث: أن الإناث اللات والعزى ومناة ، كلهن مؤنث ، وهذا قول أبي مالك ، وابن زيد ، والسدي . وروى أبو رجاء عن الحسن قال: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يسمونه: أنثى بني فلان ، فنزلت هذه الآية .

قال الزجاج : والمعنى: ما يدعون إلا ما يسمونه باسم الإناث .

والرابع: أنها الملائكة كانوا يزعمون أنها بنات الله ، قاله الضحاك .

وفي المراد بالشيطان ثلاثة أقوال .

أحدها: شيطان يكون في الصنم ، قال ابن عباس : في كل صنم شيطان يتراءى للسدنة فيكلمهم ، وقال أبي بن كعب: مع كل صنم جنية .

والثاني: أنه إبليس . وعبادته: طاعته فيما سول لهم ، هذا قول مقاتل ، والزجاج .

والثالث: أنه أصنامهم التي عبدوا ، ذكره الماوردي . فأما "المريد" ، فقال الزجاج : "المريد": المارد ، وهو الخارج عن الطاعة ، ومعناه: أنه قد مرد في الشر ، يقال: مرد الرجل يمرد مرودا: إذا عتا ، وخرج عن الطاعة . وتأويل [ ص: 204 ] المرود: أن يبلغ التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ، وأصله في اللغة: املساس الشيء ، ومنه قيل للإنسان: أمرد: إذا لم يكن في وجهه شعر ، وكذلك يقال: شجرة مرداء: إذا تناثر ورقها ، وصخرة مرداء: إذا كانت ملساء .

وفي قوله: لعنه الله قولان .

أحدهما: أنه ابتداء دعاء عليه باللعن ، وهو قول من قال: هو الأوثان .

والثاني: أنه إخبار عن لعن متقدم ، وهو قول من قال: هو إبليس . قال ابن جرير: المعنى: قد لعنه الله . قاله ابن عباس: معنى الكلام: دحره الله ، وأخرجه من الجنة . وقال -يعني إبليس-: لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا . وقال ابن قتيبة: أي: حظا افترضته لنفسي منهم ، فأضلهم . وقال مقاتل: النصيب المفروض: أن من كل ألف إنسان واحد في الجنة ، وسائرهم في النار . قال الزجاج : "الفرض" في اللغة: القطع ، و "الفرضة": الثلمة تكون في النهر . و "الفرض" في القوس: الحز الذي يشد فيه الوتر ، والفرض فيما ألزمه الله العباد جعله حتما عليهم قاطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية