صفحة جزء
[ ص: 39 ] فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون

قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به قال ابن عباس : تركوا ما وعظوا به . فتحنا عليهم أبواب كل شيء يريد رخاء الدنيا وسرورها . وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر: فتحنا بالتشديد هنا وفي [الأعراف] ، وفي [الأنبياء]: فتحت وفي [القمر]: فتحنا والجمهور على تخفيفهن . قال الزجاج : أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير ، حتى إذا ظنوا أن ما كان نزل بهم ، لم يكن انتقاما ، وما فتح عليهم باستحقاقهم ، أخذناهم بغتة ، أي: فاجأهم عذابنا .

وقال ابن الأنباري: إنما أراد بقوله: كل شيء التأكيد ، كقول القائل: أكلنا عند فلان كل شيء ، وكنا عنده في كل سرور ، يريد بهذا العموم تكثير ما يصفه والإطناب فيه ، كقوله وأوتيت من كل شيء [النمل:23] . وقال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه لم يمكر به ، فلا رأي له; ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له ، فلا رأي له ، ثم قرأ هذه الآية ، وقال: مكر بالقوم ورب الكعبة ، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا .

قوله تعالى: فإذا هم مبلسون في المبلس خمسة أقوال .

أحدها: أنه الآيس من رحمة الله عز وجل رواه الضحاك عن ابن عباس; وقال في رواية أخرى: الآيس من كل خير . وقال الفراء: المبلس: اليائس [ ص: 40 ] المنقطع رجاؤه ، ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ، فلا يكون عنده جواب: قد أبلس قال العجاج:


يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا



أي: لم يحر جوابا . وقيل: المكرس: الذي قد بعرت فيه الإبل ، وبولت ، فيركب بعضه بعضا .

والثاني: أنه المفتضح . قال مجاهد: الإبلاس: الفضيحة .

والثالث: أنه المهلك ، قاله السدي .

والرابع: أنه المجهود المكروب الذي قد نزل به من الشر ما لا يستطيعه ، قاله ابن زيد .

والخامس: أنه الحزين النادم ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لرؤبة وحضرت

يوم الخميس الأخماس     وفي الوجوه صفرة وإبلاس .



أي اكتئاب ، وكسوف ، وحزن .

وقال الزجاج : هو الشديد الحسرة ، الحزين ، اليائس . وقال في موضع آخر: المبلس: الساكت المتحير .

التالي السابق


الخدمات العلمية