صفحة جزء
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير

قوله تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق فيه أربعة أقوال .

أحدها: خلقهما للحق . والثاني: خلقهما حقا . والثالث: خلقهما بكلامه وهو الحق . والرابع: خلقهما بالحكمة . [ ص: 68 ] قوله تعالى: ويوم يقول كن فيكون قال الزجاج : الأجود أن يكون منصوبا على معنى: واذكر يوم يقول كن فيكون ، لأن بعده وإذ قال إبراهيم فالمعنى: واذكر هذا وهذا . وفي الذي يقول له كن فيكون ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه يوم القيامة ، قاله مقاتل . والثاني: ما يكون في القيامة .

والثالث: أنه الصور ، وما ذكر من أمر الصور يدل عليه ، قالهما الزجاج . قال وخص ذلك اليوم بسرعة إيجاد الشيء ، ليدل على سرعة أمر البعث .

قوله تعالى: قوله الحق أي: الصدق الكائن لا محالة وله الملك يوم ينفخ في الصور وروى إسحاق بن يوسف الأزرق عن أبي عمرو: "ننفخ" بنونين . ومعنى الكلام: أن الملوك يومئذ لا ملك لهم ، فهو المنفرد بالملك وحده ، كما قال: والأمر يومئذ لله [الانفطار:19] . وفي "الصور" قولان .

أحدهما: أنه قرن ينفخ فيه; روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور ، فقال: "هو قرن ينفخ فيه" . وقال مجاهد: الصور كهيأة البوق . وحكى ابن قتيبة: أن الصور: القرن ، في لغة قوم من أهل اليمن ، وأنشد:


نحن نطحناهم غداة الجمعين بالضابحات في غبار النقعين




نطحا شديدا لا كنطح الصورين



[ ص: 69 ] وأنشد الفراء:


لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم     ولا خراسان حتى ينفخ الصور



وهذا اختيار الجمهور .

والثاني: أن الصور جمع صورة; يقال: صورة وصور ، بمنزلة سورة وسور ، كسورة البناء; والمراد نفخ الأرواح في صورة الناس ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة . وكذلك قرأ الحسن ، ومعاذ القارئ ، وأبو مجلز ، وأبو "المتوكل في الصور" بفتح الواو . قال ثعلب: الأجود أن يكون الصور: القرن ، لأنه قال عز وجل: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ;ثم قال: نفخ فيه أخرى ; ولو كان الصور ، كان: ثم نفخ فيها ، أو فيهن; وهذا يدل على أنه واحد; وظاهر القرآن يشهد أنه ينفخ في الصور مرتين . وقد روى أهل التفسير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى: نفخة الفزع ، والثانية: نفخة الصعق ، والثالثة: نفخة القيامة لرب العالمين" . قال ابن عباس : وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي الأولى يعني: نفخة الصعق . [ ص: 70 ] قوله تعالى: عالم الغيب وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ، "والشهادة" وهو ما شاهدوه ورأوه . وقال الحسن: يعني بذلك السر والعلانية .

التالي السابق


الخدمات العلمية