صفحة جزء
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون

قوله تعالى: ثم آتينا موسى الكتاب قال الزجاج : "ثم" هاهنا للعطف على معنى التلاوة; فالمعنى: أتل ما حرم ربكم ، ثم أتل عليكم ما آتاه الله موسى .

وقال ابن الأنباري: الذي بعد "ثم" مقدم على الذي قبلها في النية; والتقدير: ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: تماما على الذي أحسن في قوله: "تماما" قولان .

أحدهما: أنها كلمة متصلة بما بعدها; تقول: أعطيتك كذا ، تماما على كذا ، وتماما لكذا ، وهذا قول الجمهور .

والثاني: أن قوله: "تماما" كلمة قائمة بنفسها ، غير متصلة بما بعدها; [ ص: 153 ] والتقدير: آتينا موسى الكتاب تماما ، أي: في دفعة واحدة ، لم نفرق إنزاله كما فرق إنزال القرآن ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

وفي المشار إليه بقوله: "أحسن" أربعة أقوال .

أحدها: أنه الله عز وجل . ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه ، قاله ابن زيد . والثاني: تماما على إحسان الله تعالى إلى موسى; وعلى هذين ، القولين ، يكون "الذي" بمعنى "ما"

والقول الثاني: أنه إبراهيم; الخليل عليه السلام; فالمعنى: تماما للنعمة على إبراهيم الذي أحسن في طاعة الله ، وكانت نبوة موسى نعمة على إبراهيم ، لأنه من ولده ، ذكره الماوردي .

والقول الثالث: أنه كل محسن من الأنبياء ، وغيرهم . وقال مجاهد: تماما على المحسنين ، أي: تماما لكل محسن . وعلى هذا القول ، يكون "الذي" بمعنى "من" ، "وعلى" بمعنى لام الجر; ومن هذا قول العرب: أتم عليه ، وأتم له . قال الراعي:

رعته أشهرا وخلا عليها

أي: لها .

قال ابن قتيبة: ومثل هذا أن تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج; تريد: للغازين والحاجين . [ ص: 154 ] والقول الرابع: أنه موسى . ثم في معنى: أحسن قولان .

أحدهما: أحسن في الدنيا بطاعة الله عز وجل . قال الحسن ، وقتادة: تماما لكرامته في الجنة إلى إحسانه في الدنيا . وقال الربيع: هو إحسان موسى بطاعته . وقال ابن جرير: تماما لنعمنا عنده على إحسانه في قيامه بأمرنا ونهينا .

والثاني: أحسن من العلم وكتب الله القديمة; وكأنه زيد على ما أحسنه من التوراة; ويكون "التمام" بمعنى الزيادة ، ذكره ابن الأنباري . فعلى هذين القولين ، يكون "الذي" بمعنى: "ما" وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو رزين ، والحسن ، وابن يعمر: "على الذي أحسن" بالرفع . قال الزجاج : معناه: على الذي هو أحسن الأشياء . وقرأ عبد الله بن عمرو ، وأبو المتوكل ، وأبو العالية: "على الذي أحسن" برفع الهمزة وكسر السين وفتح النون; وهي تحتمل الإحسان ، وتحتمل العلم .

قوله تعالى: وتفصيلا لكل شيء أي: تبيانا لكل شيء من أمر شريعتهم مما يحتاجون إلى علمه ، لكي يؤمنوا بالبعث والجزاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية