صفحة جزء
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا سبب نزولها: أن ناسا من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد . وقيل: إنه لما ذكر عري آدم ، من علينا باللباس . وفي معنى أنزلنا عليكم ثلاثة أقوال .

أحدها: خلقنا لكم . والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه . والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباسا . وأكثر القراء قرؤوا: "وريشا" . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وزر بن حبيش ، وقتادة ، والمفضل ، وأبان عن عاصم: "ورياشا" بألف . قال الفراء: يجوز أن تكون الرياش جميع الريش . ويجوز أن تكون بمعنى الريش كما قالوا: لبس ، ولباس . [ ص: 182 ] قال الشاعر:


فلما كشفن اللبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما



قال ابن عباس ، ومجاهد: "الرياش": المال; وقال عطاء: المال والنعيم ، وقال ابن زيد: الريش: الجمال; وقال معبد الجهني: الريش: الرزق; وقال ابن قتيبة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس . وقال الزجاج : الريش: اللباس وكل ما ستر الإنسان في جسمه ومعيشته . يقال: تريش فلان ، أي: صار له ما يعيش به . أنشد سيبويه:


رياشي منكم وهواي معكم     وإن كانت زيارتكم لماما



وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى . قال قطرب: الريش والرياش واحد . وقال سفيان الثوري: الريش: المال ، والرياش: الثياب .

قوله تعالى: ولباس التقوى قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة: "ولباس التقوى" بالرفع . وقرأ ابن عامر ، ونافع ، والكسائي: بنصب اللباس . قال الزجاج : من نصب اللباس ، عطف به على الريش; ومن رفعه ، فيجوز أن يكون مبتدأ ، ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار: هو; المعنى: وهو لباس التقوى ، أي: وستر العورة لباس المتقين . وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال . [ ص: 183 ] أحدها: أنه السمت الحسن ، قاله عثمان بن عفان; ورواه الذيال بن عمرو عن ابن عباس . والثاني: العمل الصالح ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث: الإيمان ، قاله قتادة ، وابن جريج ، والسدي; فعلى هذا ، سمي لباس التقوى ، لأنه يقي العذاب . والرابع: خشية الله تعالى ، قاله عروة بن الزبير . والخامس: الحياء ، قاله معبد الجهني ، وابن الأنباري . والسادس: ستر العورة للصلاة ، قاله ابن زيد . والسابع: أنه الدرع ، وسائر آلات الحرب ، قاله زيد بن علي . والثامن: العفاف ، قاله ابن السائب . والتاسع: أنه ما يتقى به الحر والبرد ، قاله ابن بحر . والعاشر: أن المعنى: ما يلبسه المتقون في الآخرة ، خير مما يلبسه أهل الدنيا ، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه .

قوله تعالى: ذلك خير قاله ابن قتيبة: المعنى: ولباس التقوى خير من الثياب ، لأن الفاجر ، وإن كان حسن الثوب ، فهو بادي العورة; "وذلك" زائدة . قال الشاعر في هذا المعنى:


إني كأني أرى من لا حياء له     ولا أمانة وسط القوم عريانا



قال ابن الأنباري: ويقال: لباس التقوى ، هو اللباس الأول ، وإنما أعاده لما أخبر عنه بأنه خير من التعري ، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعري في الطواف .

قوله تعالى: ذلك من آيات الله قال مقاتل: يعني: الثياب والمال من آيات الله وصنعه ، لكي يذكروا ، فيعتبروا في صنعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية