صفحة جزء
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين

قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم سبب نزولها: أن ناسا من الأعراب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل ، وكانت المرأة تعلق على فرجها سيورا ، وتقول:


اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله



[ ص: 187 ] فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كانوا إذا حجوا ، فأفاضوا من منى ، لا يصلح لأحد منهم في دينه الذي اشترعوا أن يطوف في ثوبيه ، فيلقيهما حتى يقضي طوافه ، فنزلت هذه الآية . وقال الزهري: كانت العرب تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس ، قريش وأحلافها ، فمن جاء من غيرهم ، وضع ثيابه وطاف في ثوبي أحمس ، فإن لم يجد من يعيره من الحمس ، ألقى ثيابه وطاف عريانا ، فإن طاف في ثياب نفسه ، جعلها حراما عليه إذا قضى الطواف ، فلذلك جاءت هذه الآية . وفي هذه الزينة قولان .

أحدهما: أنها الثياب . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه ورد في ستر العورة في الطواف ، قاله ابن عباس ، والحسن في جماعة . والثاني: أنه ورد في ستر العورة في الصلاة ، قاله مجاهد ، والزجاج . والثالث: أنه ورد في التزين بأجمل الثياب في الجمع والأعياد ، ذكره الماوردي .

والثاني: أن المراد بالزينة: المشط ، قاله أبو رزين .

قوله تعالى: وكلوا واشربوا قال ابن السائب: كان أهل الجاهلية لا يأكلون في أيام حجهم دسما ، ولا ينالون من الطعام إلا قوتا ، تعظيما لحجتهم ، فنزل قوله: وكلوا واشربوا . وفي قوله: ولا تسرفوا أربعة أقوال .

أحدها: لا تسرفوا بتحريم ما أحل لكم ، قاله ابن عباس .

والثاني: لا تأكلوا حراما ، فذلك الإسراف ، قاله ابن زيد . [ ص: 188 ] والثالث: لا تشركوا ، فمعنى الإسراف هاهنا: الإشراك ، قاله مقاتل .

والرابع: لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة ، قاله الزجاج .

ونقل أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق ، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء ، فقال علي: قد جمع الله تعالى الطب في نصف آية من كتابنا . قال: ما هي؟ قال: قوله تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا قال النصراني: ولا يؤثر عن نبيكم شيء من الطب ، فقال: قد جمع رسولنا علم الطب في ألفاظ يسيرة . قال: وما هي؟ قال: "المعدة بيت الداء" والحمية رأس الدواء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد" . فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا .

قال المصنف: هكذا نقلت هذه الحكاية ، إلا أن هذا الحديث المذكور فيها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يثبت . وقد جاءت عنه في الطب أحاديث قد ذكرتها في كتاب "لقط المنافع في الطب"

التالي السابق


الخدمات العلمية