صفحة جزء
وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء [ ص: 217 ] فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون

قوله تعالى: وهو الذي يرسل الرياح قرأ أبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر ، وعاصم:" الرياح" على الجمع . وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي:" الريح" على التوحيد . وقد يأتي لفظ التوحيد ، ويراد به الكثرة ، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس ، ومثله: إن الإنسان لفي خسر [العصر:2] .

قوله تعالى: نشرا قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع:" نشرا" بضم النون والشين; أرادوا جمع نشور ، وهي الريح الطيبة الهبوب ، تهب من كل ناحية وجانب . قال أبو عبيدة: النشر: المتفرقة من كل جانب . وقال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر ، وبمعنى المنتشر ، وبمعنى الناشر; يقال: أنشر الله الريح ، مثل أحياها ، فنشرت ، أي: حييت . والدليل على أن إنشار الريح إحياؤها قول الفقعسي:


وهبت له ريح الجنوب وأحييت له ريدة يحيي المياه نسيمها



ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت .

قال الشاعر:


إني لأرجو أن تموت الريح     فأقعد اليوم وأستريح



والريدة والريدانة: الريح . وقرأ ابن عامر ، وعبد الوارث ، والحسن البصري:" نشرا" بالنون مضمومة وسكون الشين ، وهي في معنى" نشرا" . يقال: كتب وكتب ، ورسل ورسل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والمفضل [ ص: 218 ] عن عاصم:" نشرا" بفتح النون وسكون الشين . قال الفراء: النشر: الريح الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب . وقال ابن الأنباري: النشر: المنتشرة الواسعة الهبوب . وقال أبو علي: يحتمل النشر أن يكون خلاف الطي ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية . ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه; ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة كقول الشاعر:


[حتى يقول الناس مما رأوا]     يا عجبا للميت الناشر



قال: وهذا هو الوجه . وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وإبراهيم النخعي ، ومسروق ، ومورق العجلي:" نشرا" بفتح النون والشين . قال ابن القاسم: وفي النشر وجهان .

أحدهما: أن يكون جمعا للنشور ، كما قالوا: عمود وعمد ، وإهاب وأهب .

والثاني: أن يكون جمعا ، واحده ناشر ، يجري مجرى قوله: غائب وغيب ، وحافد وحفد; وكل القراء نون الكلمة . وكذلك اختلافهم في (الفرقان:48) و(النمل:63) هذه قراءات من قرأ بالنون . وقد قرأ آخرون بالباء; فقرأ عاصم إلا المفضل:" بشرى" بالباء المضمومة وسكون الشين مثل فعلى . قال ابن الأنباري: وهي جمع بشيرة ، وهي التي تبشر بالمطر . والأصل ضم الشين ، إلا أنهم استثقلوا الضمتين . وقرأ ابن خثيم ، وابن جذلم مثله ، إلا أنهما نونا الراء . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة: بضم الباء والشين ، وهذا على أنها جمع بشيرة . والرحمة هاهنا: المطر; سماه رحمة لأنه كان بالرحمة . و"أقلت" بمعنى حملت . قال الزجاج : السحاب: جمع سحابة . قال ابن فارس: سمي السحاب لانسحابه في الهواء . [ ص: 219 ] قوله تعالى: "ثقالا" أي: الماء . و قوله تعالى: سقناه رد الكناية إلى لفظ السحاب ، ولفظه لفظ واحد . وفي قوله:" لبلد" قولان .

أحدهما: إلى بلد . والثاني: لإحياء بلد . والميت: الذي لا ينبت فيه ، فهو محتاج إلى المطر . وفي قوله: فأنزلنا به ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الكناية ترجع إلى السحاب . والثاني: إلى المطر ، ذكرهما الزجاج . والثالث: إلى البلد ، ذكره ابن الأنباري . فأما هاء فأخرجنا به فتحتمل الأقوال الثلاثة .

قوله تعالى: كذلك نخرج الموتى أي: كما أحيينا هذا البلد . وقال مجاهد: نحيي الموتى بالمطر كما أحيينا البلد الميت به . قال ابن عباس : يرسل الله تعالى بين النفختين مطرا كمني الرجال ، فينبت الناس به في قبورهم كما نبتوا في بطون أمهاتهم .

قوله تعالى: لعلكم تذكرون قال الزجاج : لعل: ترج . وإنما خوطب العباد على ما يرجوه بعضهم من بعض; والمعنى: لعلكم بما بيناه لكم تستدلون على توحيد الله ، وأنه يبعث الموتى .

التالي السابق


الخدمات العلمية