صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[74] واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين

" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد قال الشهاب : لم يقل: خلفاء عاد ، إشارة إلى أن بينهما زمانا طويلا. وبوأكم في الأرض " أي: أنزلكم في أرض الحجر. والمباءة المنزل. تتخذون من سهولها قصورا " أي: تبنون في سهولها قصورا لتسكنوها أيام الصيف. ف(من) بمعنى (في)، كقوله تعالى: نودي للصلاة من يوم الجمعة أو هي ابتدائية، أو تبعيضية، أي: تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل وهي الطين. والسهل خلاف الحزن، وهو موضع الحجارة والجبال: وتنحتون الجبال بيوتا أي: لتسكنوها أيام الشتاء. والجبال إما مفعول ثان بتضمين (نحت) معنى (اتخذ)، أو منصوب بنزع الخافض، على ما جاء في الآية الأخرى: والنحت معروف في كل صلب، ومضارعه مكسور الحاء. وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق: وقرئ تنحاتون بالإشباع، كينباع، أفاده الشهاب .

بحث الإشباع في وسط الكلمة

أقول: بهذه القراءة يستدل على ثبوت الإشباع في وسط الكلمة لغة. ومثله (ينباع) المذكورة، وهي من قول عنترة :


ينباع من ذفرى غضوب جسرة



[ ص: 2785 ] أي: ينبع العرق من خلف أذن ناقة غضوب، فأشبع الفتحة لإقامة الوزن، فتولدت من إشباعها ألف.

ومثله قولنا (آمين)، والأصل (أمين) فأشبعت الفتحة، فتولدت من إشباعها ألف -قاله الزوزني -.

[ ص: 2786 ] ومثله (استكان) على القول بأنه افتعل من (السكون)، فزيدت الألف لإشباع الفتحة كما في (شرح الشافية).

ومنه عقراب -قال في (تاج العروس): سمع العقراب في اسم الجنس. قال:


أعوذ بالله من العقراب     الشائلات عقد الأذناب



قال: وعند أهل الصرف ألف (عقراب) للإشباع، لفقدان (فعلال) بالفتح. انتهى.

وقوله تعالى: فاذكروا آلاء الله أي نعمه عليكم لتصرفوها إلى ما خلقها لأجله.

ولا تعثوا في الأرض مفسدين بالمعاصي وعبادة غيره تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية