صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[95] ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون

ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة " أي أعطيناهم -بدل ما كانوا فيه من البلاء، كالشدة والمرض- السعة والصحة: حتى عفوا " أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، من قولهم: عفا النبات، وعفا الشحم والوبر، إذا كثرت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم « وأعفوا اللحى » .

وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء يعني وأبطرتهم النعمة وأشروا، [ ص: 2824 ] فقالوا كفرانا لها: هذه عادة الدهر، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء، وقد مس آباءنا نحو ذلك فصبروا على دينهم، فنحن مثلهم، نقتدي بهم، وما هو بابتلاء من الله لعباده، تصديقا لوعد الرسل، فازدادوا كفرا بعد الإعلام القولي والفعلي. والمعنى: أن الله تعالى ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه، فما فعلوا. ثم بالحسنة ليشكروا، فما فعلوا، وإذا لم ينجع فيهم هذا ولا ذاك، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب، وقد فعل، كما قال سبحانه: فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون أي: فأخذناهم أشد الأخذ وأفظعه، وهو أخذهم فجأة، من غير شعور منهم، ولا خطور شيء من المكاره ببالهم، كقوله تعالى: حتى إذا فرحوا بما أوتوا الآية، وفي الحديث: « موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر » . رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة مرفوعا.

تنبيه:

اعتقاد أن مناوبة الضراء والسراء عادة الدهر، من غير أن يكون هناك داعية تؤدي إليهما، ولا حكمة فيهما، هو من اعتقاد الكافرين.

قال ابن كثير : المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء، فيشكر الله على السراء، ويصبر على الضراء. ولهذا جاء في الحديث: « لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه. والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه » أو كما قال.

وفي الصحيحين: « عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له » .

وقوله تعالى:

[ ص: 2825 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية