القول في تأويل قوله تعالى : 
[111 ] 
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 
" وقالوا" أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى "لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" نشر لما لفته الواو في "وقالوا"، واليهود جمع هائد ، كعوذ جمع عائذ . وقرئ "إلا من كان يهوديا أو نصرانيا" . "تلك أمانيهم" جملة معترضة مبينة لبطلان ما قالوا . والأماني جمع أمنية وهي ما يتمنى . كالأعجوبة والأضحوكة. فإن قيل : قولهم "لن يدخل الجنة" أمنية واحدة ، فلم قال : أمانيهم ؟ أجيب : بأن الجمع باعتبار صدوره عن الجميع . وأجاب صاحب الانتصاف بأنهم لشدة تمنيهم لهذه الأمنية ومعاودتهم لها وتأكدها في نفوسهم ، جمعت . ليفيد جمعها أنها متأكدة في قلوبهم ، بالغة منهم كل مبلغ، والجمع يفيد ذلك ، وإن كان مؤداه واحدا . ونظيره قولهم : معى جياع . فجمعوا الصفة ، ومؤداها  
[ ص: 224 ] واحد ; لأن موصوفها واحد ، تأكيدا لثبوتها وتمكنها . 
وهذا المعنى أحد ما روي في قوله تعالى : 
إن هؤلاء لشرذمة قليلون فإنه جمع (قليلا) ، وقد كان الأصل إفراده فيقال (لشرذمة قليلة) كقوله تعالى : 
كم من فئة قليلة لولا ما قصد إليه من تأكيد معنى القلة بجمعها . ووجه إفادة الجمع في مثل هذا للتأكيد ، أن الجمع يفيد بوضعه الزيادة في الآحاد ، فنقل إلى تأكيد الواحد ، وإبانة زيادته على نظرائه ، نقلا مجازيا بديعا . فتدبر هذا الفصل فإنه من نفائس صناعة البيان . والله الموفق : 
قل هاتوا برهانكم حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة "إن كنتم صادقين" في دعواكم . قال 
الرازي   : دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا أو إثباتا، فلا بد له من الدليل والبرهان ، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد ، قال الشاعر : 
من ادعى شيئا بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه 
انتهى كلام 
الرازي   . وسبقه إلى ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  حيث قال : وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ، وإن كل قول لا دليل عليه ، فهو باطل غير ثابت . انتهى .