صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 11 ] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام .

إذ يغشيكم النعاس أمنة منه أي : يلقي عليكم النوم للأمن الكائن منه تعالى [ ص: 2960 ] مما حصل لكم من الخوف من كثرة عدوكم .

وقد كان أسهرهم الخوف ، فألقى تعالى عليهم النوم فأمنوا واستراحوا . وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد ، كما قال جل ذكره : ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وقرئ : ( يغشيكم ) من الإغشاء ، بمعنى التغشية والفاعل في الوجهين هو الله تعالى وقرئ : ( يغشاكم ) على إسناد الفعل إلى النعاس .

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم ( بدر ) في العريش مع الصديق رضي الله عنه ، وهما يدعوان ، أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم ، ثم استيقظ متبسما ، فقال : « أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل ، على ثغاياه النقع » . ثم خرج من باب العريش ، وهو يتلوا : سيهزم الجمع ويولون الدبر

ثم ذكرهم تعالى منة أخرى تدل على نصره إياه بقوله سبحانه : وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به أي : من الحدث الأصغر والأكبر ، وهو تطهير الظاهر ويذهب عنكم رجز الشيطان أي : وسوسته ، بأنكم على هذا الرمل لا تتمكنون من المحاربة ، ومع فقد الماء كيف تفعلون ؟ فأزال تعالى بإنزاله ذلك ، فكان لهم به طهارة باطنة ، فكملت لهم الطهارتان ، أي : من وسوسة أو خاطر سيئ ، وهو تطهير الباطن : وليربط على قلوبكم أي : يقويها بالثقة ، بالأمن وزوال الخوف .

ويثبت به الأقدام أي : على الرمل .

قال مجاهد : أنزل الله عليهم المطر ، فأطفأ به الغبار ، وتلبدت به الأرض ، وطابت نفوسهم ، وثبتت به أقدامهم .

قال الجشمي : قال القاضي : وهو أشبه بالظاهر .

وقيل بالصبر وقوة القلب التي أفرغها عليهم ، حتى ثبتوا لعدوهم . وقوله ( به ) ، يرجع إلى الماء المنزل ، أو إلى ما تقدم من البشارة والنصر .

ثم أشار تعالى إلى نعمة خفية أظهرها تعالى لهم ليشكروه عليها بقوله :

التالي السابق


الخدمات العلمية