صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 19 ] إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين .

إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح خطاب للمشركين ، أي : إن تطلبوا الفتح ، أي : القضاء وأن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين ، فقد جاءكم القضاء بما سألتم .

روى الإمام أحمد والنسائي والحاكم ، وصححه ، عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال ، حين التقى القوم : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه ، فأحنه - أي : فأهلكه - الغداة ، فكان المستفتح .

وعن السدي ، أن المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر : أخذوا بأستار الكعبة ، فاستنصروا الله وقالوا : اللهم انصر أعز الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين ، فقال تعالى : إن تستفتحوا الآية .

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ; أن هذه الآية إخبار عنهم بما قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك [ ص: 2970 ] الآية ، قيل : في هذا الخطاب تهكم بهم ، يعني في قوله تعالى : فقد جاءكم الفتح لأن الذي جاءهم الهلاك والذلة . كذا في ( " العناية " ) .

وهو مبني على أن الفتح بمعنى النصر ، وله معنى آخر وهو الحكم بين الخصمين والقضاء . وبهما فسرت الآية أيضا .

وإن تنتهوا أي : عن الكفر وعداوة الرسول فهو خير لكم أي : في الدنيا والآخرة وإن تعودوا أي : لمحاربة الرسول : نعد أي : لنصره عليكم ولن تغني أي : تدفع عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين أي : بالنصر . قرئ بكسر ( إن ) استئنافا ، وفتحها ، على تقدير اللام .

تنبيه :

جوز أن يكون الخطاب في قوله تعالى : إن تستفتحوا للمؤمنين ، أي : إن تطلبوا النصر باستغاثتكم ربكم ، فقد حصل لكم ذلك ، فاشكروا ربكم ، والزموا طاعته .

وقوله تعالى : وإن تنتهوا أي : عن المنازعة في أمر الأنفال ، وعن طلب الفداء على الأسرى الذي عوتبوا عليه بقوله تعالى : لولا كتاب من الله سبق فقال تعالى : وإن تنتهوا

عن مثله - : فهو خير لكم وإن تعودوا إلى تلك المنازعات نعد عليكم بالإنكار ، وتهييج العدو ; لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة ، وترك المخالفة ، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة ، إذا لم يكن الله معكم بالنصر ، فإنه مع الكاملين في إيمانهم .

وهذا الوجه قرره الرازي ونقله عن القاضي .

قال البيضاوي : ويؤكده الآية بعد ، فإن المراد بها الأمر بطاعة الرسول ، والنهي عن الإعراض عنه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية