صفحة جزء
[ ص: 3016 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[ 51 ] ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد .

ذلك إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب بما قدمت أيديكم أي : ما كسبتم من الكفر والمعاصي وأن الله ليس بظلام للعبيد أي : بأن يأخذهم بلا جرم .

فإن قيل : ما سر التعبير ب ( ظلام ) بالمبالغة ، مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ، ونفي الكثرة لا ينفي أصله ، بل ربما يشعر بوجوده ، وبرجوع النفي للقيد ؟

وأجيب بأجوبة :

منها : أنه نفي لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل : ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا ، فلما جمع هؤلاء عدل إلى ( ظلام ) لذلك ، أي : لكثرة الكمية فيه .

ومنها : أنه إذا انتفى الظلم الكثير ، انتفى الظلم القليل ، لأن من يظلم يظلم للانتفاع بالظلم فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا .

ومنها : أن ( ظلاما ) للنسب ، ك ( مطار ) ، أي : لا ينسب إليه الظلم أصلا .

ومنها : أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب ، فلو كان تعالى ظالما ، كان ظلاما ، فنفى اللازم ، لنفي الملزوم .

ومنها : أن في ( الظلام ) لنفي الظالم ، ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله ، انتقالا من اللازم إلى الملزوم .

ومنها : أن العذاب من العظم بحيث ، لولا الاستحقاق ، لكان المعذب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه ، فالمراد تنزيهه تعالى ، وهو جدير بالمبالغة .

وأيضا لو عذب تعالى عبيده بدون استحقاق وسبب ، لكان ظلما عظيما ، لصدوره عن العدل الرحيم . كذا في ( " العناية " ) .

[ ص: 3017 ] وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول : « إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ، يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه » . والحديث طويل جليل ، معروف عند المحدثين ، بالحديث المسلسل بالدمشقيين .

ثم بين تعالى أن سير المشركين المستمر وعادتهم الدائمة ، مع ما أرسل به النبي صلى الله عليه وسلم كسير الأمم السالفة مع رسلهم ، بقوله تعالى :

التالي السابق


الخدمات العلمية